باب
خلافة المهتدي بالله
واسمه:
محمد بن هارون الواثق بن المعتصم ، ويكنى: أبا إسحاق ، ويقال: أبا عبد الله .
ولد
بالقاطول في ربيع الأول سنة تسع عشرة ومائتين [وكان منزله
بسامراء] وأمه أم ولد ، يقال لها:
قرب .
وكان أسمر رقيقا أجلى ، رحب الوجه ، حسن اللحية ، أشهل العينين ، عظيم البطن ، عريض المنكبين ، قصيرا ، طويل اللحية ، أشيب . بويع بعد
المعتز ، ولم يقبل
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بيعة أحد حتى جيء
بالمعتز فخلع نفسه ، وأخبر عن عجزه عن القيام بما أسندوا إليه من أمر الخلافة ، ورغبته في تسليمها إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي ، ومد
المعتز يده فبايع
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي ، ثم بايعه خاصة الموالي .
وكان خلع
المعتز نفسه يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ، وبويع
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي ليوم بقي من رجب ، ودعي
للمهتدي يوم الجمعة أول يوم من شعبان ولم يدع له
ببغداد حتى قتل
المعتز يوم السبت ليومين من شعبان .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي من أحسن الخلفاء مذهبا ، وأجملهم طريقة ، وأظهرهم ورعا ، وأكثرهم عبادة ، وأسند الحديث .
[ ص: 82 ]
أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد [قال:] أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14231 [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13164ابن رزق ، حدثنا
محمد بن عمرو بن القاضي الحافظ ، أخبرنا
محمد بن الحسن بن سعدان المروزي [قال:] حدثنا
محمد بن عبد الكريم بن عبيد الله السرخسي قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بالله قال حدثني
علي بن هاشم بن طبراخ ، عن
محمد بن الحسن الفقيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
داود ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
قال العباس: يا رسول الله ، ما لنا في هذا الأمر شيء ؟ قال: "لي النبوة ولكم الخلافة ، بكم يفتح هذا الأمر ، وبكم يختم" . قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=18للعباس: "من أحبك نالته شفاعتي ومن أبغضك فلا نالته شفاعتي" .
ذكر
طرف من سيرته [وأحواله
أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد [قال:] أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14231أبو بكر [أحمد بن علي بن ثابت] الخطيب قال: أخبرنا
أحمد بن عمر بن روح النهرواني [قال:] أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15263المعافى بن زكريا قال: حدثني بعض الشيوخ -ممن شاهد جماعة من العلماء وخالط كثيرا من الرؤساء- أن
هاشم بن القاسم الهاشمي قال: كنت جالسا بحضرة
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي عشية من العشايا ، فلما كادت الشمس تغرب وثبت لأنصرف ، وذلك في شهر رمضان ، فقال لي: اجلس . فجلست فأذن المؤذن ، وأقام [فتقدم] وصلى
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بنا ، ثم ركع
[ ص: 83 ] وركعنا .
ودعا بالطعام ، فأحضر طبق خلاف ، عليه رغيف من الخبز النقي ، وفيه آنية في بعضها ملح ، وفي بعضها خل ، وفي بعضها زيت ، فدعاني إلى الأكل فابتدأت آكل معذرا ، ظانا أنه سيؤتى بطعام له نيقة ، وفيه سعة . فنظر إلي وقال: ألم تكن صائما؟ قلت: بلى . قال: أفلست عازما على صوم غد؟ قلت: كيف لا وهو شهر رمضان؟ فقال: كل واستوف غداءك ، فليس ها هنا من الطعام غير ما ترى .
فعجبت من قوله ، ثم قلت: [والله لأخاطبنه في هذا المعنى ، فقلت:] ولم يا أمير المؤمنين ، وقد أسبغ الله نعمته ، وبسط قدرته ورزقه؟ فقال: [إن] الأمر لعلى ما وصفت ، والحمد لله ، ولكني فكرت في أنه
كان في بني أمية nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله ، فأخذت نفسي بما رأيت .
أخبرنا
عبد الرحمن [بن محمد قال:] أخبرنا
أحمد بن علي [قال:] أخبرنا
عبيد الله بن أبي الفتح [قال:] أخبرنا
أحمد بن إبراهيم البزاز ، حدثنا
إبراهيم بن محمد بن عرفة ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي فقال: حدثني بعض الهاشميين أنه وجد له سفط فيه جبة صوف ، وكساء ، وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلي فيه ، ويقول: أما يستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز؟!
أخبرنا
محمد بن أحمد أنه
كان قد اطرح الملاهي ، [وحرم] الغناء [ ص: 84 ] والشرب ، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم ، وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج ، فحبس نفسه في الحسبانات لا يخل بالجلوس يوم الاثنين والخميس [والكتاب بين يديه] .
[أخبرنا
عبد الرحمن قال: أخبرنا
أحمد بن علي بن ثابت قال:] أخبرنا
عبد العزيز بن علي ، أخبرنا
محمد بن أحمد المفيد ، حدثنا
أبو بشر الدولابي قال: أخبرني
أبو موسى العباسي قال: لم يزل
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي صائما منذ جلس للخلافة إلى أن قتل .
أخبرنا
عبد الرحمن [قال:] أخبرنا
أحمد بن علي قال: أخبرني
عبيد الله بن أبي الفتح [قال:] أخبرني
علي بن الحسن الجراحي [قال:] حدثنا
محمد بن أحمد القراريطي قال: قال لي عمي
عبد الله بن إبراهيم الإسكافي قال: حضرت مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي بالله ، وقد جلس للمظالم ، فاستعداه رجل على ابن له ، فأمر بإحضاره ، فأحضر وأقامه إلى جنب الرجل ، فسأله عما ادعاه عليه فأقر به ، فأمره بالخروج إليه من حقه ، فكتب له بذلك كتابا ، فلما فرغ قال له الرجل: والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قال الشاعر:
حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الزاهر لا يقبل الرشوة في حكمه
ولا يبالي غبن الخاسر
فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي: أما أنت أيها الرجل فجزاك الله خيرا ، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت في المصحف
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [21: 47]
[ ص: 85 ]
فما رأيت باكيا أكثر من بكائه ذلك اليوم
وفي هذه السنة: في سلخ رجب كان
ببغداد شغب ، ووثبت العامة
بسليمان بن عبد الله بن طاهر صاحب الشرطة ، وكان السبب في ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=15345المهتدي كتب إلى [صاحب الشرطة]
سليمان أن يأخذ البيعة له
ببغداد ، فأحضر
أبا أحمد بن المتوكل فهجم العامة وهتفوا باسم
أبي أحمد ، ودعوا إلى بيعته ،
وكانت فتنة ، قتل فيها قوم ، ثم سكنوا .
وللنصف من شوال [هذه السنة]: ظهر في نواحي
البصرة رجل زعم أنه
علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكان يقول إن جده لأمه خرج مع
زيد بن علي على
nindex.php?page=showalam&ids=17243هشام بن عبد الملك ، وكان من أهل ورزنين ، وكان عبادا يتكلم في علم النجوم ، فربما كتب العوذ ، فخرج في نفر من الزنج ، فأخذه
محمد بن أبي عون ، فحبسه ثم أطلقه ، فخرج في قراب
البصرة في مكان يقال له:
برنجل ، وجمع الزنج الذين كانوا يكتسحون السباخ فاستغواهم ، ثم عبر
دجلة ونزل الديناري ، وكان هذا الرجل متصلا بقوم من أصحاب السلطان يمدحهم ويستميحهم بشعره ، ثم خرج من
سامراء سنة تسع وأربعين ومائتين
[ ص: 86 ] إلى
البحرين ، وادعى أنه من ولد
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، ودعا الناس إلى طاعته فتبعه جماعة ، وأباه جماعة ، فوقع بينهم قتال على ذلك ، فانتقل عنهم إلى
الإحساء ، فضوى إلى حي من بني تميم وصحبه جماعة من
أهل البحرين ، ثم كان ينتقل في البادية من حي إلى حي ، ولم يزل أمره يقوى إلى سنة سبعين ، وكان يقول: أوتيت آيات من آيات القرآن إمامتي منها ، لقيت سورا من القرآن لا أحفظها ، فجرى بها لساني في ساعة واحدة ، منها: سبحان ، والكهف ، وص ، وألقيت نفسي على فراشي فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له ، وأقيم فيه إذ نبت بي البادية فأظلتني سحابة فبرقت ورعدت ، وقيل لي: اقصد للبصرة فمضى إليها ، فقدمها في سنة أربع وخمسين .
ونزل في بني ضبيعة ، فاتبعه جماعة منهم
علي بن أبان المهلبي ، ووافق ذلك فتنة
البصرة بالبلالية والسعدية ، فرجا أن يتبعه منهم أحد فلم يتبعه ، فهرب ، وطلبه
محمد بن رجاء عامل السلطان بها ، فلم يقدر عليه ، فأتى
بغداد فأقام بها ، فاستمال جماعة ، فلما عزل
محمد بن رجاء عن
البصرة وثب رؤوس الفتنة من البلالية والسعدية ، ففتحوا الحبوس ، وأطلقوا من كان فيها فبلغه ذلك ، فخرج إلى
البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين وأخذ حريرة وكتب عليها:
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة [9: 111] .
[ ص: 87 ]
وكتب [اسمه و] اسم أبيه وعلقها على [رأس] مردي ، وخرج في السحر من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان ، فلقيه غلمان ، فأمر بأخذهم ، وكانوا خمسين غلاما ، ثم صار إلى مكان آخر فأخذ منه خمس مائة غلام ، ثم [صار] إلى موضع آخر فأخذ منه مائة وخمسين غلاما ، وجمع من الغلمان خلقا كثيرا ، وقام فيهم خطيبا فمناهم ووعدهم أن يقودهم ويرأسهم ويملكهم ، ولا يدع من الإحسان شيئا إلا فعله لهم ، ثم دعا مواليهم فقال: قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم وحملتموهم ما لا يطيقون ، فكلمني أصحابي فيكم [فرأيت إطلاقكم] فقالوا: إن هؤلاء الغلمان أباق ، فهم يتهربون منك ، فخذ منا مالا وأطلقهم لنا . فأمر بهم فبطح كل قوم مولاهم ، وضرب كل واحد خمسين سوطا ، وأحلفهم بطلاق نسائهم أن لا يعلموا أحدا بموضعه ، وأطلقهم .
ثم خرج حتى عبر دجيلا ، واجتمع إليه السودان ، فلما حضر العيد ركز المردي الذي عليه لواؤه وصلى بهم ، وخطب للعيد ، وذكر ما كانوا فيه من الشقاء ، وأن الله
[ ص: 88 ] سبحانه استنقذهم من ذلك ، وأنه يريد أن يرفع أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال والمنازل ، ويبلغ بهم أعلى الأمر ، ثم حلف لهم على ذلك ، وكانوا جمعا كبيرا ، وليس لهم إلا ثلاثة أسياف ، وأهدي له فرس فلم يجد له سرجا ولا لجاما ، فركبه بحبل وسنفه بليف .
وما زال ينتقل من مكان إلى مكان ، ويأخذ ما يقدر عليه ، وينتهب السلاح وغيره حتى صار له قوة ، وخاف الموالي منه أن يردهم إلى مواليهم ، فحلف لهم ويوثق من نفسه ، وقال: ليحط بي منكم جماعة ، فإن أحسوا مني غدرا فليقتلوني . وأعلمهم أنه لم يخرج لعرض الدنيا بل غضبا لله عز وجل ، ولما رأى من فساد الدين .
وجاءه يهودي فسجد له وزعم أنه يجد صفته في التوراة .
ومر على قرية فخالفوه ، فانتهب منها مالا عظيما ، وجوهرا كثيرا ، وغلمانا ونسوة ، وذلك أول سبي سباه ، وما زال يعيث وينتهب فجاءه رجل من أهل البصرة فسأله عن البلالية والسعدية ، فقال: إنما جئت إليك برسالتهم يسألونك شروطا ، فإن أعطيتهم إياها سمعوا لك وأطاعوا . فأعطاهم ما سألوا . وكان يحارب فله وعليه ، إلى أن اجتمع عليه خلق كثير من أهل البصرة ، فقال: اللهم إن هذه ساعة النصرة فأعني .
فزعموا أنه رأى طيورا بيضاء فأظلتهم .
[ ص: 89 ]
وكان سبب هزيمة أعدائه وقتلهم ، فقوي عدو الله ، ودخل رعبه في قلوب
أهل البصرة ، وكتبوا إلى السلطان يخبرونه خبره ، فوجه جعلان التركي ، ونزل الخبيث سبخة ، وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ ، وبثهم في القرى يغيرون .
وحج بالناس في هذه السنة
علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن محمد .