[ذكر دارا وأولاده] .
فلما ملك
"دارا بن بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب" وكان ضابطا لملكه ، قاهرا لمن حوله من الملوك ، فابتنى
بفارس مدينة سماها
"دارابجرد" ، وولد له ولد فأعجب به فسماه
"دارا" باسم نفسه ، وصير له الملك من بعده ، فملك اثنتي عشرة سنة .
ثم ملك ابنه
"دارا بن دارا بن بهمن" فأساء السيرة في رعيته ، وقتل رؤساءهم ، فغزاه
الإسكندر بن فيلبوس اليوناني ، وقد مله أهل مملكته ، فلحق كثير منهم
بالإسكندر ، فأطلعوه على عورة
دارا ، وقووه عليه ، فالتقيا
ببلاد الجزيرة ، فاقتتلا سنة ، ثم إن رجالا من أصحاب
دارا وثبوا به فقتلوه وتقربوا برأسه إلى
الإسكندر ، فأمر بقتلهم ، وقال: هذا جزاء من اجترأ على ملكه .
وتزوج ابنته
"روشنك بنت دارا" وغزا
الهند ومشارق الأرض ، ثم انصرف وهو يريد
الإسكندرية ، فهلك بناحية السواد ، فحمل إلى
الإسكندرية في تابوت من ذهب .
وكان ملكه أربع عشرة سنة ، وقيل: كان ملك
دارا أربع عشرة سنة أيضا ، واجتمع ملك الروم وكان قبل
الإسكندر متفرقا ، وتفرق ملك فارس وكان قبل
الإسكندر مجتمعا .
[ ص: 423 ]
[ذكر هلاك
دارا بن دارا]
إن
دارا بن دارا لما ملك ، وكان
فيلبوس أبو
الإسكندر اليوناني قد ملك بلادا من
بلاد اليونانيين فصالح
دارا على خراج يحمل إليه في كل سنة ، ثم ملك ابنه
الإسكندر فلم يحمل الخراج ، فغضب
دارا ، وكتب إليه يوبخه ، وبعث إليه بصولجان وكرة وقفيز من سمسم ، وقال فيما كتب إليه: أنت صبي ينبغي أن تلعب بالصولجان ، وإنك إن استعصيت بعثت إليك من يأتيني بك في وثاق ، وإن عدة جندي كعدة حب السمسم الذي بعثت به .
فكتب إليه
الإسكندر أنه قد فهم كتابه وتيمن بإرساله الصولجان والكرة لإلقاء الملقي الكرة إلى الصولجان ، واحترازه إياها ، ويشبه الأرض بالكرة ، وإنه محيز ملك
دارا إلى ملكه ، وبلاده إلى حيزه من الأرض . وإنه تيمن بالسمسم لدسمه وبعده عن المرارة والحرافة .
وبعث إلى
دارا بصرة من خردل ، فهي تجمع الكرة والحرافة والمرارة .
فلما وصل إليه الكتاب جمع جنده ، وتأهب لمحاربة
الإسكندر ، وتأهب
الإسكندر وسار نحو بلاد
دارا . فالتقيا فاقتتلا أشد القتال ، وصارت الدبرة على [جند]
دارا .
فلما رأى ذلك رجلان من حرس
دارا طعناه من خلفه فوقع؛ ليحظيا عند
الإسكندر . ونادى
الإسكندر: أن لا يقتل
دارا . ثم سار حتى وقف عليه ، فرآه يجود بنفسه ، فنزل
الإسكندر عن دابته وجلس عند رأسه ، وأخبره أنه ما هم قط بقتله ، وأن الذي أصابه لم يكن عن رأيه ، وقال له: سلني ما بدا لك ، فقال
دارا: إلي لك حاجتان:
إحداهما: أن تنتقم لي من الرجلين اللذين فتكا بي ، والأخرى أن تتزوج ابنتي
روشنك .
فأجابه وصلب الرجلين ، وتوسط بلاد
دارا ، فكان له ملكه .
[ ص: 424 ]
وقال آخرون: كان ملك الروم في أيام
دارا الأكبر يؤدي إلى
دارا الخراج ، فلما هلك ملك
الإسكندر ، وكان ذا حزم ومكر ، فمن مكره أنه خرج في بعض الحروب من صف أصحابه ، وأمر من نادى: يا معشر الفرس ، قد علمتم ما كتبنا لكم من الأمان ، فمن كان منكم على الوفاء فليعتزل العسكر وله منا الوفاء .
فاتهمت الفرس بعضها بعضا ، فكان أول اضطراب حدث فيهم .
وتلقاه بعض ملوك
الهند بألف فيل عليها السلاح ، وفي خراطيمها السيوف ، فلم تقف دواب
الإسكندر ، فأمر باتخاذ قلة من نحاس مجوفة ، وربط خيله بين تلك التماثيل حتى التقيا ، ثم أمر فملئت نفطا وكبريتا ، وألبسها الدروع وجرت على العجل إلى المعركة ، وبين كل تمثالين منها جماعة من أصحابه .
فلما نشبت الحرب أمر بإشعال النيران في أجواف التماثيل فلما حميت انكشفت أصحابه عنها ، فغشيتها الفيلة فضربتها بخراطيمها ، فتشيطت ، فولت مدبرة راجعة على أصحابها ، فصارت الدبرة على ملك الهند .
وغزا
الإسكندر بعض ملوك المغرب فظفر به ، فآنس لذلك من نفسه القوة فنشز على دارا الأصغر ، وامتنع عما كان يحمله إليه ، وكان الخراج الذي يؤديه آل
الإسكندر إلى ملوك الفرس بيضا من ذهب ، ألف ألف بيضة ، في كل بيضة مائة مثقال .
فلما امتنع
الإسكندر أن يبعث كتب إليه دارا يطالبه ، فكتب إليه: إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض ذلك البيض وأكلت لحمها . فالتقيا للقتال بناحية
خراسان مما يلي الحرز .