[ذكر نبذ من أحوال الإسكندر] .
قد ذكرنا أن هذا
الإسكندر هو ابن فيلبوس ، وبعضهم يقول:
ابن بيلبوس بن مطريوس . ويقال:
ابن مصريم بن هرمس بن هردس بن مسطون بن رومي بن [ ص: 425 ] يلظى بن يونان بن يافث بن توبة بن سرحون بن رومية بن يرثط بن توفيل بن زوفي بن الأصفر بن أليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام . ولما هلك دارا ملك الإسكندر ملك دارا ، فملك
العراق والروم والشام ومصر ، وعرض جنده بعد هلاك
دارا فوجدهم ألف ألف وأربع مائة ألف رجل ، منهم من جنده ثمانمائة ألف ، ومن جند
دارا ستمائة ألف . فجلس على سريره ، وقال: أدالنا الله من
دارا ، ورزقنا خلاف ما كان يتوعدنا به ، وهدم ما كان ببلاد الفرس من المدن والحصون وبيوت النيران ، وقتل الهرابذة ، وأحرق كتبهم ودواوين
دارا ، واستعمل على مملكة
دارا رجلا من أصحابه ، وسار إلى أرض
الهند ، فقتل ملكها وفتح مدينتها .
ثم سار منها إلى
الصين ، وصنع بها كصنيعه
بالهند ، ودانت له عامة الأرض ، وملك
الصين والتبت .
أنبأنا
محمد بن عبد الباقي البزاز ، قال: أنبأنا
علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16142أبو الفرج الأصفهاني ، قال: قرأت في بعض كتب الأوائل أن
الإسكندر لما انتهى إلى ملك
الصين أتاه صاحبه وقد مضى من الليل شطره ، وقال له: هذا رسول ملك
الصين بالباب يستأذن عليك ، فقال: أحضروه . فوقف بين يديه وسلم ثم قال: إن رأى الملك أن تخليني ، فأمر
الإسكندر من بحضرته من أصحابه فانصرفوا ، وبقي صاحبه ، فقال: الذي جئت فيه لا يحتمل أن يسمعه غيرك . فقال
الإسكندر فتشوه ، ففتش فلم يصب معه حديد ، فوضع
الإسكندر بين يديه سيفا وقال له: كن بمكانك وقل ما شئت ، وخرج كل ما كان عنده ، فقال: قل .
فقال له: إني أنا الملك لا رسوله ، وقد جئتك أسألك عما تريد مما يمكن عمله ولو على أصعب الأمور فإني أعمله فأغنيك عن الحرب ، فقال له
الإسكندر: ما آمنك مني؟ قال: علمي بأنك رجل عاقل وليس بيننا عداوة ولا مطالبة قد حلت . وأنت تعلم أنك
[ ص: 426 ] إن قتلتني لم تحظ بطائل ، ولم يكن سببا لأخذ
مملكة الصين ، ولم يمنعهم قتلي أن ينصبوا لأنفسهم ملكا ، ثم تنسب أنت إلى غير الجميل وصيد الحريم .
فأطرق
الإسكندر وعلم أنه رجل عاقل ، فقال: الذي أريد منك ارتفاع مملكتك لثلاث سنين عاجلا ، ونصف ارتفاع مملكتك في كل سنة ، فقال: هل غير ذلك شيء؟
قال: لا ، قال: قد أجبتك ، قال: كيف يكون حالك حينئذ؟ قال: أكون قتيلا وأكلة كل مفترس . قال: فإن قنعت منك بارتفاع سنتين كيف يكون حالك؟ قال: أصلح مما كانت ، قال: فإن قنعت منك بارتفاع سنة ، قال: يكون ذلك كمالا لأمر ملكي ومذهبا جميع أذاي ، قال: فإذا اقتصرت منك على النصف من ارتفاع السنة ، قال: يكون الملك ثابتا وأسبابه مستقيمة ، قال: فإذا اقتصرت منك على ارتفاع الثلث؟ قال: يكون السدس وقفا ، ويكون الباقي لجيشي وأسباب الملك . قال: فقد اقتصرت منك على هذا ، فشكره وانصرف .
فلما طلعت الشمس أقبل جيش
الصين حتى طبق الأرض وأحاط بجيش
الإسكندر حتى خافوا الهلاك ، فتواثب أصحابه فركبوا الخيل واستعدوا للحرب .
فبينما هم كذلك إذ طلع وعليه التاج فلما رأى
الإسكندر ترجل له ، فقال له
الإسكندر: غدرت ، قال: لا والله ، قال: فما هذا الجيش؟ قال: أردت أن أريك أنني لم أطعك عن قلة وضعف ، وأنت ترى الجيش وما غاب عنك أكثره ، ولكن رأيت العالم الكبير مقبلا فملكنا لك ممن هو أقوى منك وأكثر من عددك ، ومن حارب العالم الكبير غلب ، وأردت طاعته بطاعتك ، والذلة بأمره بالذلة لك .
فقال
الإسكندر: ليس مثلك من يؤخذ منه خراج ، فما رأيت بيني وبينك أحدا يستحق الفضل والوصف بالعدل غيرك ، فقد أعفيتك من جميع ما أردته منك ، وأنا منصرف عنك .
فقال له ملك
الصين: أما إذا فعلت ذلك فليس بحسن . ثم انصرف
الإسكندر فبعث إليه ملك
الصين هدايا أضعاف ما كان قرر معه .
وكان أرسطاطاليس مؤدب الإسكندر في صغره ، فقال له ولصبيان معه: أي شيء
[ ص: 427 ] تعملون إذا ملكتم ، فكل واحد بذل من نفسه شيئا ، فقال
الإسكندر: أعمل حسب ما يوجبه الوقت ، ويقتضيه العقل ، فقال له: أنت أحرى بالرئاسة والملك .
فلما ملك
الإسكندر كان
أرسطاطاليس له كالوزير يكاتبه ويعمل برأيه ، فكتب إليه:
إن في عسكري جماعة لا آمنهم على نفسي لبعد هممهم وشجاعتهم ، ولا أرى لهم عقولا تفي بتلك الفضائل .
فكتب إليه: أما ما ذكرت من بعد هممهم ، فإن الوفاء من بعد الهمة . وأما شجاعتهم ونقص عقولهم فمن هذه حاله فرفهه في معيشته ، وأخصصه بحسان النساء ، فإن رفاهية العيش توهي العزم ، وتحبب السلامة ، وليكن خلقك حسنا تخلص لك النيات ، ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوساط رعيتك مثله ، فليس مع الاستئثار محبة ، ولا مع المواساة بغضة .
واعلم أن المملوك إذا اشتري لا يسأل عن مال سيده ، وإنما يسأل عن خلقه .
وهذا
أرسطاطاليس كان من كبار الحكماء ، قال يوما
أفلاطون لأصحابه: ما العجب؟ فتكلموا ، فقال
أرسطاطاليس: ما ظهر وخفيت علته ، قال: أنت أفضل الجماعة .
وكان
أرسطاطاليس يقول: لكل شيء صناعة ، وصناعة العقل حسن الاختيار .
وقال: اعص الهوى وأطع من شئت .
وقيل له: ألا تجتمع الحكمة والمال؟ فقال: آخر الكمال .
وكتب إلى بعض ملوك يونان وكان مستهترا باللعب: إذا علمت الرعايا تسليط الهوى على الملك تسلطت عليه ، فاقهر هواك تفضل حكمتك ، والسلام .
فكتب الملك: أيها الحكيم إذا كانت بلادنا عامرة ، وسبلنا آمنة ، وعمالنا عادلة ، فلم تمنع لذة عاجلة؟
فكتب إليه: إنما تمهدت الأمور على ما ذكرت بيقظتك بالحكمة دون غفلتك باللذة ، فما أخوفني أن تهدم ما بنته الحكمة ما جنته الغفلة . فأقبل الملك على السياسة .
[ ص: 428 ] وقد ذكر بعض من لا يعلم
أن
الإسكندر هو الذي دخل الظلمات ، وهذا غلط ، وإنما أشكل عليهم لاشتراك الاثنين في الاسم والتسمية
بالإسكندر . وقد ذكرنا خبر ذاك في زمن
إبراهيم الخليل ، وأنه عاش ألف سنة وستمائة سنة ، وهذا اليوناني عاش ستا وثلاثين سنة . وملك ثلاث عشرة سنة وأشهرا ، وبنى مدنا كثيرة ، وتوفي في بعض
قرى بابل .