ثم دخلت
سنة خمس عشرة وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها :
أن
علي بن عيسى قدم وقد جعل وزيرا ، فخرج الناس لتلقيه في أول صفر ، فمنهم من لقيه
بالأنبار ، ومنهم من لقيه دونها ، فلما وصل دخل إلى المقتدر بالله فخاطبه بأجمل خطاب ، وانصرف إلى منزله ، فبعث إليه المقتدر بكسوة فاخرة وفرش وعشرين ألف دينار ، وخلع عليه في غداة غد لسبع خلون من صفر ، فلما خلع عليه أنشد :
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها فكيف ما انقلبت يوما به انقلبوا يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت
يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا
وفي يوم الأحد لثمان خلون من ربيع الأول : انقض كوكب عظيم له ضوء شديد على ساعتين بقيتا من النهار .
وفي يوم الخميس لأربع خلون من ربيع الآخر : خلع على مؤنس للخروج إلى الثغر ، لأن الكتاب ورد من عامل الثغور بأن الروم دخلوا
سميساط ، وأخذوا جميع
[ ص: 261 ] ما فيها ، ونصبوا فيها خيمة الملك ، وضربوا في المسجد الجامع بها في أوقات صلواتهم الناقوس .
ثم قرئت الكتب على المنابر في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر : أن المسلمين عقبوا على الروم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغنموا غنائم كثيرة .
وفي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر : ظهر
ببغداد أن خادما من خواص خدم المقتدر بالله حكى لمؤنس المظفر أن
nindex.php?page=showalam&ids=15297المقتدر تقدم إلى خواص خدمه بحفر زبية في الدار المعروفة بدار الشجرة من دار السلطان ، حتى إذا حضر مؤنس للوداع عند عزمه على الخروج إلى الثغر حجب الناس وأدخل مؤنس وحده ، فإذا اجتاز على تلك الزبية وهي مغطاة وقع فيها فنزل الخدم وخنقوه ، ويظهر أنه وقع في سرداب فمات ، فتأخر مؤنس عن المضي إلى دار السلطان لهذا السبب ، وركب إليه القواد والغلمان والرجالة وأصحابه بالسلاح ، وخلت دار السلطان من الجيش ، وقال له :
أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بحضرة الناس نقاتل بين يديك أيها الأستاذ حتى تنبت لك لحية . فوجه إليه المقتدر بنسيم الشرابي ومعه رقعة بخطه إليه يحلف له فيها على بطلان ما بلغه ، ويعرفه أنه قد عمل على المصير إليه في الليلة المقبلة ليحلف له مشافهة على بطلان ما حكي له ، فصرف
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس إليه جميع من صار إليه من الجيش ، وأجاب عن الرقعة بما يصلح ، وبأنه لا ذنب له في حضور من حضر داره لأنه لم يدعهم ، واقتصر على خواص من رسمه من الغلمان والقواد ، وحلف
أبو الهيجاء أن لا يبرح من دار
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس ليلا ولا نهارا إلى أن يركب معه إلى دار السلطان وتطمئن النفوس إلى سلامته وتقدم المقتدر إلى نصر الحاجب والأستاذين بالمصير إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس المظفر لينحدر معهم إلى حضرته لوداعه ، فصاروا إليه وانحدر معهم يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر . ووصل إلى المقتدر ، وقبل الأرض بين يديه ، وقبل يده ورجله ، فخاطبه المقتدر
[ ص: 262 ] بالجميل وحلف له على ثقته به وعلى صفاء نيته له وودعه
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس ، وذلك بعد أن قرأ عليه الوزير
علي بن عيسى كتاب وصيف
البكتمري المتقلد لأعمال المعاقل بجند قنسرين والعواصم ، بأن المسلمين عقبوا على الروم فظفروا بعسكرهم وقتلوا منهم وغنموا .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنس من داره بسوق الثلاثاء يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر إلى مضربه بباب
الشماسية ، وشيعه الأمير
أبو العباس بن المقتدر ، والوزير
علي بن عيسى ، ونصر الحاجب ،
[وهارون بن غريب ،
وشفيع المقتدري ، والقواد : فلما بلغ الوزير
علي بن عيسى ونصر الحاجب ] معه إلى دار
مبارك القمي حلف عليهما بأن يرجعا ، فعدلا إلى شاطئ
دجلة وانصرفا في طياريهما ، وصار باقي القواد والأستاذان معه إلى مضربه ، وكان
سليمان بن الحسن يسايره ،
وهارون بن غريب ، ويلبق ، وبشرى ، ونازوك ،
وطريف العسكري يسيرون بين يديه كما تسير الحجاب ، ورحل مؤنس من مضربه يوم الأحد لليلتين بقيتا من ربيع الآخر .
وفي جمادى الأولى وقع حريق بالرصافة ، وصف
الجوهري ،
ومربعة الحرسي ، وفي الحطابين بباب الشعير .
وفي يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى أخذ خناق ينزل درب الأقفاص من باب
الشام خنق جماعة ، ودفنهم في عدة دور سكنها ، وكان يحتال على النساء يكتب لهن كتاب العطف ، ويدعي عندهن علم النجوم والعزائم فيقصدنه ، فإذا حصلت المرأة عنده سلبها ، ووضع وترا له في عنقها ورفس ظهرها وأعانته امرأته وابنه ، فإذا ماتت حفر لها ودفنها ، فعلم بذلك ، فكبست الدار فأخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة ، ثم ظهر عليه عدة آدر كان يسكنها مملوءة بالقتلى من النساء خاصة ، فطلب فهرب إلى
الأنبار ، فأنفذ إليها من طلبه ، فوجده فقبض عليه وحمل إلى
بغداد ، فضرب ألف سوط ، وصلب وهو حي ، ومات لست بقين من جمادى الأولى .
وفي شعبان دخل إلى
بغداد ثلاثة عشر أسيرا من الروم أخذوا من
بيت المقدس فيهم قرابة الملك .