ثم دخلت
سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها .
أنه في اليوم العاشر من المحرم أغلقت الأسواق
ببغداد ، وعطل البيع ، ولم يذبح القصابون [ولا طبخ الهراسون] ولا ترك الناس أن يستقوا الماء ، ونصبت القباب في الأسواق ، وعلقت عليها المسوح ، وخرجت النساء منتشرات الشعور يلطمن في الأسواق ، وأقيمت النائحة على
الحسين عليه السلام .
وفي نصف ربيع الأول: ورد الخبر بأن ألف رجل من الأرمن ساروا إلى
الرها ، فاستاقوا خمسة آلاف رأس من الغنم ، وخمسمائة من البقر والدواب ، واستأسروا عشرة أنفس ، وانصرفوا موقرين .
وفي جمادى الآخرة: قلد
أبو بشر عمر بن أكثم القضاء
بمدينة السلام بأسرها ، على أن يتولى ذلك بلا رزق ، وخلع عليه ، ورفع عنه ما كان يحمله
أبو العباس بن أبي الشوارب ، وأمر أن لا يمضي شيئا من أحكام
أبي العباس ، وفي شعبان: قلد قضاء القضاة .
وفي شعبان: مات
الدمستق الذي فتح بلدة
حلب ، واسمه:
نقفور . [ ص: 151 ]
وفي ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة: وهو يوم "غدير خم" أشعلت النيران ، وضربت الدبادب والبوقات ، وبكر الناس إلى مقابر
قريش .
قال
ثابت بن سنان المؤرخ: حدثني جماعة من أهل
الموصل ممن أثق به: أن بعض بطارقة الأرمن أنفذ في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة إلى
ناصر الدولة رجلين من الأرمن ملتصقين بينهما خمس وعشرون سنة سليمين ، ومعهما أبوهما ، وأن الالتصاق كان في المعدة ، ولهما بطنان ، وسرتان ، ومعدتان ، وأوقات جوعهما وعطشهما تختلف ، وكذلك أوقات البول والبراز ، ولكل واحد منهما صدر وكتفان ، وذراعان ، ويدان ، وفخذان ، وساقان ، وقدمان وإحليل ، وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى الغلمان ، وكان أحدهما إذا دخل إلى المستراح دخل قرينه معه ، وأن
ناصر الدولة وهب لهما ألفي درهم ، وأراد أن يحدرهما إلى
بغداد ثم انصرف رأيه عن ذلك .
أخبرنا
محمد بن أبي طاهر ، أخبرنا
علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، قال:
حدثني
أبو محمد يحيى بن محمد بن فهد ، وأبو عمر أحمد بن محمد الخلال ، قالا:
حدثنا جماعة كثيرة العدد من أهل
الموصل وغيرهم ممن كنا نثق بهم ويقع لنا العلم بصحة ما حدثوا به لكثرته وظهوره وتواتره: أنهم شاهدوا
بالموصل سنة نيف وأربعين وثلاثمائة رجلين أنفذهما صاحب
أرمينية إلى
ناصر الدولة للأعجوبة منهما ، وكان لهما نحو من ثلاثين سنة ، وهما ملتزقان من جانب واحد ومن حد فويق الحقو إلى دوين الإبط ، وكان معهما أبوهما ، فذكر لهم أنهما ولدا كذلك توأما تراهما يلبسان قميصين وسراويلين كل واحد منهما ، لباسهما مفردا إلا أنهما لم يكن يمكنهما لالتزاق كتفيهما وأيديهما في المشي لضيق ذلك عليهما ، فيجعل كل واحد منهما يده التي تلي أخاه من
[ ص: 152 ] جانب الالتزاق خلف ظهر أخيه ويمشيان كذلك ، وإنما كانا يركبان دابة واحدة ولا يمكن أحدهما التصرف إلا بتصرف الآخر معه ، وإذا أراد أحدهما الغائط قام الآخر معه وإن لم يكن محتاجا ، وإن أباهما حدثهم أنه لما ولدا أراد أن يفرق بينهما ، فقيل له:
إنهما يتلفان لأن التزاقهما من جنب الخاصرة ، وأنه لا يجوز أن يسلما ، فتركهما ، وكانا مسلمين ، فأجازهما
ناصر الدولة ، وخلع عليهما ، وكان الناس
بالموصل يصيرون إليهما فيتعجبون منهما ويهبون لهما .
قال
أبو محمد: وأخبرني جماعة أنهما خرجا إلى بلدهما ، فاعتل أحدهما ومات وبقي الآخر أياما حتى أنتن وأخوه حي لا يمكنه التصرف ، ولا يمكن الأب دفن الميت إلى أن لحقت الحي علة من الغم والرائحة ، فمات أيضا فدفنا جميعا وكان
ناصر الدولة قد جمع لهما الأطباء وقال: هل من حيلة في الفصل بينهما ، فسألهما الأطباء عن الجوع ، هل تجوعان في وقت واحد؟ فقال: إذا جاع الواحد منا تبعه جوع الآخر بشيء يسير من الزمان ، وإن شرب أحدنا دواء مسهلا انحل طبع الآخر بعد ساعة ، وقد يلحق أحدنا الغائط ولا يلحق الآخر ، ثم يلحقه بعد ساعة فنظروا فإذا لهما جوف واحد وسرة واحدة ومعدة واحدة وكبد واحد وطحال واحد ، وليس من الالتصاق أضلاع ، فعلموا أنهما إن فصلا تلفا ، ووجدوا لهما ذكران ، وأربع بيضات ، وكان ربما وقع بينهما خلاف وتشاجر فتخاصما أعظم خصومة ، حتى ربما حلف أحدهما لا أكلم الآخر أياما ، ثم يصطلحان .