ثم دخلت
سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه عمل في عاشوراء مثل ما عمل في السنة الماضية من تعطيل الأسواق وإقامة النوح ، فلما أضحى النهار [يومئذ] وقعت فتنة عظيمة في
قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنة
والشيعة ، ونهب الناس بعضهم بعضا ، ووقعت بينهم جراحات .
وورد الخبر بنزول جيش ضخم من
الروم على
المصيصة وفيه
الدمستق ، وأقام عليها سبعة أيام ، ونقب في سورها نيفا وستين نقبا ولم يصل ، ودافعه أهلها وانصرف ، إذ قصرت به الميرة بعد أن أقام ببلاد الإسلام خمسة عشر يوما ، وأحرق
الدمستق المصيصة [وأذنة ، وطرطوس ، وذلك لمعاونتهم أهل
مصيصة على
الروم] ، فظفر بهم
الروم ، فقتلوا منهم نحو خمسة آلاف رجل ، وقتل أهل
أذنة وأهل
طرسوس من
الروم عددا كثيرا . وقال
الدمستق قبل انصرافه عن
المصيصة: يا أهل
المصيصة ، إني منصرف عنكم لا لعجز عن فتح مدينتكم ، ولكن لضيق العلوفة ، وأنا عائد إليكم بعد هذا الوقت ، فمن أراد منكم الهرب فليهرب قبل رجوعي ، فمن وجدته قتلته .
[ ص: 156 ]
وورد الخبر في ربيع الأول: أن الغلاء
بأنطاكية وسائر الثغور اشتد حتى لم يقدر على الخبز ، وانتقل من الثغور إلى
دمشق وغيرها خمسون ألفا هربا من الغلاء .
وفي جمادى الأولى: ورد الخبر بأن الهجريين أنفذوا سرية إلى
طبرية واستمدوا من
سيف الدولة حديدا فقلع أبواب
الرقة - وكانت من حديد - وأخذ كل حديد وجد حتى أخذ صنجات الباعة والبقالين ، فبعثها إليهم حتى كتبوا إليه: إننا قد استغنينا .
وفي جمادى الآخرة: أراد
معز الدولة الإصعاد إلى
الموصل ، فانحدر إلى الخليفة فودعه وخرج .
وروى
هلال بن المحسن الصابي ، عن
أبي الحسن ابن الخراساني حاجب
معز الدولة ، قال: كنت مع
معز الدولة بحضرة
nindex.php?page=showalam&ids=15258المطيع ، فلما تقوض المجلس قال لي: قل للخليفة: أريد أن أطوف الدار وأشاهدها ، وأتأمل صحونها وبساتينها ، فيتقدم إلي من يمشي معي ويطيفني . فقلت له ذلك ، فتقدم إلي خادمه شاهك وحاجبه
ابن أبي عمرو ، فمشيا بين يديه وأنا وراءهما بعدنا عن حضرة الخليفة ، فقالا له : لا يجوز أن نتخرق الدار في أكثر من نفسين أو ثلاثة ، فاختر من تريد واردد الباقين . فأخذ
أبا جعفر الصيمري معه ، ونحن عشرة من غلمانه وحجابه ، ووقف باقي الجند والحواشي في صحن السلام ، ودخلنا ومضى الأمير مسرعا فلحقته وجذبت قباءه من خلفه ، فالتفت إلي ، فقلت له بالفارسية وأصحاب الخليفة لا يعرفونها: في أي موضع أنت حتى تسترسل هذا الاسترسال ، وتعدو من غير تحفظ ولا استظهار ، ألا تعلم أنه قد فتك في هذا الدار بألف أمير ووزير ، وما كان غرضك في أن تطوف وحدك ، أليس لو وقف لنا عشرة نفر من الخدم أو غيرهم في هذه الممرات الضيقة لأخذونا؟ فقال له
الصيمري: قد
[ ص: 157 ] صدقك ، فقال: قد كان ذلك غلطا والآن فإن رجعنا الساعة علم أننا قد فزعنا وخفنا ، وسقطنا بذلك من أعينهم وضعفت هيبتنا في صدورهم ، ولكن احتفوا بي فإن مائة من هؤلاء لا يقاوموننا ونحن نسرع في رؤية ما نراه .
قال: فسعينا سعيا حثيثا وانتهينا إلى دار فيها صنم من صفر على صورة امرأة ، وبين يديه أصنام صغار كالوصائف ، فرأينا من ذلك ما أعجبنا ، وتحير
معز الدولة ، وسأل عن الصنم ، فقيل له: هذا صنم حمل في أيام
nindex.php?page=showalam&ids=15297المقتدر بالله من بلد من بلاد
الهند لما فتح صاحب
عمان ذلك البلد ، وقيل: إنه كان يعبد هناك: فقال
معز الدولة: إني قد استحسنت هذا الصنم ، وشغفت به ، ولو كانت مكانه جارية لاشتريتها بمائة ألف دينار على قلة رغبتي في الجواري ، وأريد أن أطلبه من الخليفة ليكون قريبا مني فأراه في كل وقت ، فقال له
الصيمري: لا تفعل ، فإنه ينسبك في ذلك إلى ما ترتفع عنه .
قال: وبادرنا بالخروج ، فما رجعت إلينا عقولنا إلا بعد اجتماعنا مع أصحابنا ، ونزل
معز الدولة الطيار ، فقال
لأبي جعفر الصيمري: قد ازدادت محبتي
للمطيع لله وثقتي به ، لأنه لو كان يضمر لي سوءا أو يريده بي لكنا اليوم في قبضته . فقال
الصيمري:
الأمر على ذلك . وصعد
معز الدولة إلى داره ، وأمر بحمل عشرة آلاف درهم إلى نقيب الطالبيين ليفرقها فيهم شكرا لله على سلامته .