[ ص: 234 ] ثم دخلت سنة أربع وستين وثلاثمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه ورد [ الخبر ] في المحرم سنة أربع من
المدينة أن
أهل العراق ،
وخراسان ،
والكوفة ،
والبصرة بلغوا سميرا فرأوا هلال ذي الحجة على نقصان من ذي القعدة ، وعرفوا أن لا ماء في الطريق من
فيد إلى
مكة ، إلا صبابة لا يقوم بهم وبجمالهم ، فعدلوا إلى
بطن نخل يطلبون
مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فوصلوا إليها يوم الجمعة سادس ذي الحجة ، فبركت الجمال ولم تنهض ، فعرفوا في المسجد ، وخرجوا فصلوا صلاة العيد في
مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أمير الحاج
أبو منصور محمد بن عمر بن يحيى العلوي ، وورد الناس
الكوفة في أول المحرم ، بعد أن لحقهم جهد شديد ، وأقاموا
بالكوفة لفساد الطريق ، ثم خفروا أنفسهم وأموالهم حتى دخلوا
بغداد في آخر الشهر .
وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة [ ليلة ] بقيت من المحرم:
أوقع العيارون حريقا بالخشابين من باب الشعير ، فاحترق أكثر هذا السوق ، وما يليها من سوق الجزارين ، وأصحاب الحصر ، وصف البواري ، فهلك شيء كثير من هذه الأسواق
[ ص: 235 ] من الأموال وزاد أمر العيارين في هذه السنة ، حتى ركبوا الدواب ، وتلقبوا بالقواد ، وغلبوا على الأمور ، وأخذوا الخفائر عن الأسواق والدروب .
وكان في جملة العيارين قائد يعرف:
بأسود الزبد ؛ لأنه كان يأوي قنطرة الزبد ويستعظم من حضر وهو عريان لا يتوارى ، فلما كثر الفساد رأى هذا
الأسود من هو أضعف منه قد أخذ السيف فطلب سيفا ، ونهب وأغار ، اجتمع إليه جماعة ، فأخذ الأموال ، واشترى جارية بألف دينار ، فلما حصلت عنده حاول منها حاجته فمنعته ، فقال: ما تكرهين مني ؟ قالت: أكرهك كما أنت ، فقال: ما تحبين ؟ قالت: أن تبيعني . قال: أو أفعل خيرا من ذلك ؟ فحملها إلى القاضي وأعتقها ، ووهب لها ألف دينار ، فعجب الناس من سماحة أخلاقه؛ إذ لم يجازها على كراهيتها له . ثم خرج إلى
الشام فهلك بها .