وفي هذه السنة . جرت
لأبي الحسين بن سمعون قصة عجيبة مع
عضد الدولة ،
أخبرنا بها
أبو الحسن علي بن المعافى الفقيه قال: حدثنا
أبو بكر محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=15007أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي إجازة قال: حدثنا
أبو الحسن علي بن نصر بن الصباح قال: حدثنا
أبو الثناء شكر العضدي قال:
دخل عضد الدولة إلى بغداد ، وقد هلك أهلها قتلا وحرقا وجوعا للفتن التي اتصلت فيها بين
الشيعة والسنة ، فقال: آفة هؤلاء القصاص يغرون بعضهم ببعض ويحرضونهم على سفك دمائهم ، وأخذ أموالهم .
فنادى في البلد: لا يقص أحد في جامع ولا طريق ،
ولا يتوسل متوسل بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أحب التوسل قرأ القرآن ، فمن خالف فقد أباح دمه . فرفع إليه في الخبر أن
أبا الحسين بن سمعون الواعظ جلس على كرسيه يوم الجمعة في
جامع المنصور ، وتكلم على الناس ، فأمرني أن أنفذ إليه من يحصله عندي ، ففعلت؛ فدخل علي رجل له هيبة ، وعلى وجهه نور ، فلم أملك أن قمت إليه ، وأجلسته إلى جانبي ، فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث ، وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي ، فقلت: أيها الشيخ ، إن هذا الملك جلد عظيم ، وما كنت أوثر مخالفة أمره ، وتجاوز رسمه ، والآن فأنا موصلك إليه ، فكما تقع عينك عليه ، فقبل التراب وتلطف في الجواب ، إذا سألك ، واستعن الله عليه ، فعساه يخلصك منه .
فقال: الخلق والأمر لله عز وجل ، فمضيت به إلى حجرة في آخر الدار قد جلس فيها الملك منفردا خيفة أن يجري من
أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ ، فتسير به
[ ص: 255 ] الركبان ، فلما دنوت من الحجرة وقفته وقلت له: إياك أن تبرح من مكانك حتى أعود إليك ، وإذا سلمت فليكن بخشوع وخضوع .
ودخلت لأستأذن له ، فالتفت ، فإذا هو واقف إلى جانبي ، قد حول وجهه نحو دار
بختيار ، واستفتح وقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم
وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ثم حول وجهه نحو الملك ، وقال "بسم الله الرحمن الرحيم
ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون وأخذ في وعظه ، فأتى بالعجب؛ فدمعت عين الملك ، وما رأيت ذلك منه قط ، وترك كمه على وجهه ، وتراجع
أبو الحسين ، فخرج ومضى إلى حجرتي .
فقال الملك: امض إلى بيت المال ، وخذ ثلاثة آلاف درهم ، وإلى خزانة الكسوة ، وخذ منها عشرة أثواب ، وادفع الجميع إليه ، فإن امتنع فقل له: فرقها في فقراء أصحابك ، فإن قبلها فجئني برأسه ، فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي ، ففعلت وجئته بما أمر ، وقلت له: مولانا يقرئك السلام ، وقال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك ، والبس هذه الثياب ، فقال لي: إن هذه الثياب التي علي مما قطعه لي أبي منذ أربعين سنة ، ألبسها يوم [ خروجي إلى الناس ، وأطويها عند انصرافي عنهم ] وفيها [ متعة ] وبقية ما بقيت ، ونفقتي من أجرة دار خلفها أبي ، فما أصنع بهذا ؟ قلت: هو يأمرك بأن تصرفه في فقراء أصحابك . فقال: ما في أصحابي فقير ، وأصحابه إلى هذا أفقر من أصحابي ، فليفرقه عليهم . فعدت فأخبرته ، فقال: الحمد لله الذي سلمه منا ، وسلمنا منه .