صفحة جزء
[كتابة الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند ]

وكتب الأمير يمين الدولة محمود إلى الخليفة كتابا يذكر فيه ما فتحه من بلاد الهند وكسره الصنم المعروف بسومنات ، وكان في كتابه أن أصناف الخلق افتتنوا بهذا الصنم ، وربما اتفق برؤ عليل يقصده ، وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويتقربون إليه بالأموال الكثيرة حتى بلغت أوقاته عشرة آلاف قرية مشهورة في تلك البقاع ، وامتلأت خزانته بالأموال ، ورتب له ألف رجل للمواظبة على خدمته وثلاثمائة يحلقون حجيجه وثلاثمائة [وخمسون ] يرقصون ويغنون على باب الصنم ، وقد كان العبد يتمنى قلع هذا الوثن فكان يتعرف الأحوال فتوصف له المفاوز إليه وقلة الماء واستيلاء الرمل على الطرق ، فاستخار العبد الله عز وجل في الانتداب لهذا الواجب ومثل في فهمه أضعاف المسموع من المتاعب طلبا للثواب الجزيل .

[نهوض العبد في ثلاثين ألف فارس ]

ونهض العبد في شعبان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس اختارهم سوى المطوعة ففرق العبد في المطوعة خمسين ألف دينار ليستعينوا على أخذ الأهبة ، ثم مضى العبد في مفازة أصعب مما وصف ، وقضى الله سبحانه الوصول إلى بلد الصنم ، وأعان حتى ملك البلد ، وقلع الوثن وأوقدت عليه النار حتى تقطع وقتل خمسون ألفا من سكان البلد . [ ص: 183 ]

وفي يوم السبت ثالث رمضان : دخل جلال الدولة إلى دار المملكة بعد أن خرج الخليفة ليلقيه قبل ذلك بساعة ، فاجتمعا في دجلة ونزل الخليفة من داره في الطيار بين سرادقين مضروبين ومعه الأمير أبو جعفر وأبو الحسن علي بن عبد العزيز ، والمرتضى أبو القاسم الموسوي ، ونظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي ، والمصطنع أبو نصر منصور بن رطاس الحاجب ، وانحدر إلى أن قرب من مضرب الملك جلال الدولة ، فخرج [إليه في زبزبه ] وصعد فقبل الأرض دفعات ، وجلس بين يديه على كرسي طرح له ، وسأله عن أخباره وعرفه أنه بقرب داره ، فشكر ودعا وعاد إلى الزبزب فوقف فيه فتقدم إليه الخليفة بالجلوس فجلس وتبع الطيار على سبيل الخدمة إلى أن عبر إلى درجة دار الخليفة ، وصعد الملك من الزبزب وجلس في خيمة لطيفة ضربت له على شاطئ دجلة بقرب قصر عيسى ، ثم مضى إلى دار المملكة وتقدم بأن يضرب له الطبل على بابها في أوقات الصلوات الخمس على مثل ما كان سلطان الدولة فعله عند وروده وغيره مشرف الدولة بعده ورده إلى الرسم وهو في أوقات الصلوات الثلاث وعلى ذلك جرت العادة في أيام عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها ، فثقل ما فعله على الخليفة لأنه مساواة له وراسل في معناه ، فاحتج بما فعله سلطان الدولة ، فقيل ذلك على غير أصل ومن غير إذن ، ولم تجر العادة بمماثلة الخليفة في هذا الأمر ، ثم تردد الرسائل ما انتهى إلى أن قطع الملك ضرب الطبل في الواحدة ، فأذن الخليفة في ضرب الطبل في أوقات الصلوات الخمس .

التالي السابق


الخدمات العلمية