[غار الماء في الفرات غورا شديدا ]
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من هذا الشهر غار الماء في
الفرات غورا شديدا ، وجزرت فوهة
نهر الرفيل وانقطع الماء عنه ، ووقفت الأرحاء التي عليه ، وتعذرت الطحون وبلغت أجرة الكارة في طحنها ثلاث دنانير كنية قيمتها دينار ، وكانت الركينة نصفا من المس ، ثم صارت مسا واحدة .
[جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة ]
وفي هذا اليوم : جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة ، وقرئ عليهم كتاب طويل عمله الخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=14934القادر بالله يتضمن الوعظ وتفضيل مذهب السنة ، والطعن على
المعتزلة وإيراد الأخبار الكثيرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة .
وفي يوم الخميس لعشر بقين من شهر رمضان : جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء الوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة ، وقرأ عليهم
أبو الحسن بن حاجب النعمان كتابا طويلا عمله الخليفة
nindex.php?page=showalam&ids=14934القادر بالله ، وذكر فيه أخبارا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ، وما روي عنه في عدة أمور من الدين وشرائعه ، وخرج من ذلك إلى
الطعن على من يقول بخلق القرآن وتفسيقه وحكاية ما جرى بين
عبد العزيز وبشر المريسي فيه ، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأخذت في آخر الكتاب خطوط الحاضرين وسماعهم بما سمعوه .
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة : جمع القضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة ، وقرئ عليهم كتاب طويل جدا يتضمن ذكر
أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر وفضائلهما
[ ص: 198 ] ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، والطعن على من يقول بخلق القرآن ، وأعيد فيه ما جرى بين
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي وعبد العزيز المكي في ذاك ، ويخرج من هذا إلى الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأقام الناس إلى بعد العتمة حتى استوفيت قراءته ، ثم أخذت خطوطهم في آخره بحضورهم وسماع ما سمعوه .
وكان يخطب في
جامع براثا من يذكر في خطبته مذهبا فاحشا من مذاهب
الشيعة ، فقبض عليه في دار الخلافة ، وتقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة إلى
أبي منصور [بن تمام ] الخطيب ليخطب بدلا عن الخطيب الذي كان مرسوما به ، فلما صعد المنبر دقه بعقب سيفه ، على ما جرت به العادة ،
والشيعة تنكر ذلك ، وخطب خطبة قصر فيها عما كان يفعله من تقدمه في ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وختم قوله بأن قال : اللهم اغفر للمسلمين ، ومن زعم أن
عليا مولاه ، فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا وجهه ، ونزل من المنبر ووقف المشايخ دونه حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه وأحفظه ، وخرج أمره باستدعاء الشريفين
أبي القاسم المرتضى ،
وأبي الحسن الزينبي ، [نظام الحضرتين
محمد بن علي ] والقاضي
أبي صالح ، وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير
أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية في هذا المعنى بما تقام الصحبة فيه فكان فيما كتب :
( بسم الله الرحمن الرحيم ) إذا بلغ الأمر ، أطال الله بقاء صاحب الجيش ، إلى الجرأة على الدين وسياسة الدولة والمملكة ، ثبتها الله من الرعاع والأوباش ، فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية وبغير شك أنه قد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية من
مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة ، ومن قد تبرأ الله منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار ، وذلك أن خطيبا كان فيه يجري إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما لو كان حيا ، فسمعه لقتل قائله وقد فعل مثل ذلك في
[ ص: 199 ] الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون لله ، ما تكاد السماوات يتفطرن منه ، فإنه كان في بعض ما يورده هذا الخطيب قبحه الله بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول وعلى أخيه أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة ، ومحيي الأموات البشري الإلهي مكلم فتية أصحاب الكهف ، إلى غير ذلك من الغلو المبتدع الذي تقشعر منه الجلود ، ويتحرك منه المسلمون ، وتنخلع قلوبهم ، ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر ، فلما ظهر ذلك قبض على الخطيب وأنفذ
ابن تمام ليعتمد إقامة الخطبة القويمة ، فأورد الرسم الذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله : اللهم صل على
محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه [الطاهرات ] أمهات المؤمنين ، وذكر
العباس nindex.php?page=showalam&ids=8وعليا عليهما السلام ، ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه : اللهم صل على
محمد وعلى
آل محمد إمام أئمة الهدى ، وعن يساره اللهم صل على
محمد الشفيع المشفع في الورى وأقام الدعوتين الجليلتين ، ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه وكسر أنفه وأدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه لولا أنه كان هناك أربعة من
الأتراك أيدهم الله فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك ، وهذه هجمة على دين الله وفتك في شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاعة في ذكر الربوبية ، والحاجة صادقة ، والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها الكفرة الفجرة ، وأقدموا على ما أقدموا عليه ، وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البريء بالسقيم ، وإباحة الدماء الواجب سفحها ، وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن أجسادها والشد على أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك ، والعمل على ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء العسكر أدام الله عزهم في يوم الجمعة الآتية ليكون الخطيب أيده الله في صحبتهم ، ويجري الأمر في الخطبة الإسلامية على تقويمها ، ورغم من رغم ، ولا يكون ذلك إلا بعد نكاية تظهر وتعم ، فإن هؤلاء الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية ، وإن لم يدفع هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام وإلا هدم وذهبت هذه البقية ، وله أدام الله تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة في كفاية هذا
[ ص: 200 ] المهم ، وإجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد عليه إن شاء الله بعد فقد لحق تماما الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر معرفته ، وقد انهتك محرمه ، ويحتاج أن يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الذي جنى هذه الجناية ، ويتعرف من الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا ، ويتعرف ذلك من حراس الدروب بعد الإرهاب الذي يعمل في مثله ويطالع بما ينتهي إليه الاجتهاد إن شاء الله .
وكان الذي لحق الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلا في داره ليلة الاثنين بالمشاعل ، وأخذوا ما كان في داره وأعروه وأعروا ولده وحرمه ، وأشفق الوزير والأصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة بركوب الغلمان مع الخطيب ، فراسلوا
أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم إلى أن تسكن الثورة ، وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد ، فلم يحضر خطيب ولا أقيمت صلاة الجمعة في
مسجد براثا ، وقد كان شيوخ
الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث والسفهاء للفتنة .