ثم دخلت
سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه في ليلة الخميس ثالث محرم نقب قوم من اللصوص على دار المملكة ، فأفضوا إلى حجرة من حجر الحرم ، وأخذوا منها شيئا من الثياب ، ونذر بهم فهربوا ، ورتب بعد ذلك حرس يطوفون حول الدار في كل ليلة .
وفي صفر: عملت عملة في أصحاب الأكسية فأخذت أمتعة كثيرة وثار أهل الكرخ بالعيارين وطلبوهم فهربوا وأقام التجار على إغلاق دكاكينهم والمبيت في أسواقهم ، وراسلوا حاجب الحجاب وسألوه أن يندب إلى المعونة من يعاونونهم على إصلاح البلد ، فأعيد
أبو محمد النسوي إلى العمل ، فوجدوا أحد العيارين فقتلوه ونهبت الدار التي استتر فيها ، ثم قوي العيارون وهرب ابن النسوي ، وعادت الفتن . وفي يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول: صرف
أبو الفضل محمد بن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان عن كتابة القادر بالله ، وكانت مدة نظره سبعة أشهر وعشرين يوما ، وسبب ذلك أنه لما توفي والده
أبو الحسن وأقيم مقامه لم يكن له دربة بالعمل .
وفي يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الأول: تجددت الفتنة بين السنة والروافض واشتدت ، وكان سبب ذلك الخزلجي الصوفي الملقب بالمذكور أظهر العزم على
[ ص: 214 ] الغزو ، واستأذن السلطان ، فكتب له منشور من دار الخلافة وأعطي منحوقا ، واجتمع إليه لفيف كثير ، وقصد في هذا اليوم جامع المدينة للصلاة فيه وقراءة المنشور ، فاجتاز بباب الشعير وخرج منه إلى طاق الحراني وعلى رأسه المنحوق وبين يديه الرجال بالسلاح ، فصاح من بين يديه العوام بذكر أبي بكر وعمر ، وقالوا: هذا يوم مغازي ، فنافرهم أهل الكرخ ورموهم ، وثارت الفتنة ، ومنعت الصلاة ، ونقبت دار
nindex.php?page=showalam&ids=15194المرتضى فخرج منها مرتاعا منزعجا ، فجاءه جيرانه من الأتراك فدافعوا عنه وعن حرمه ، وأحرقت إحدى سميريتيه ، ونهبت دور اليهود وخانتاراتهم ، وطلبوا لأنه قيل عنهم أنهم أعانوا أهل الكرخ ، فلما كان من الغد اجتمع عامة أهل السنة من الجانبين ، وانضاف إليهم كثير من الأتراك وقصدوا الكرخ ، فأحرقوا وهدموا الأسواق ، وأشرف أهل الكرخ على خطة عظيمة وكتب الخليفة إلى الملك والأصفهلارية ينكر ذلك عليهم إنكارا شديدا ، وينسب إليهم تخريق علامته التي كانت مع الغزاة ، وأمر بإقامة الحد في الجناة ، فركب وزير الملك فوقعت في صدره آجرة وسقطت عمامته ، وقتل من أهل الكرخ جماعة ، وانتهب الغلمان ما قدروا عليه ، ثم رتب الوزير قوما منعوا القتال ، واحترق وخرب من هذه الفتنة سوق العروس ، وسوق الأنماط ، وسوق الصفارين ، وسوق الدقاقين ، ومواضع أخرى .
وفي ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الآخر: كبس قوم من الدعار المسجد الجامع ببراثا وأخذوا ما فيه من حصر وسجادات ، وقلعوا شباكه الحديد ، وزاد الاختلاط في هذه الأيام وعاد القتال بين العوام ، وكثرت العملات ، واجتاز سكران
بالكرخ فضرب [بالسيف] رأس صبي فقتله ، ولم يجر في هذه الأشياء إنكار من السلطان لسقوط هيبته .
وفي جمادى الآخرة: قتل العامة الكلالكي ، وكان ينظر قديما في المعونة ، وأحرقوه ثم زاد الاختلاط ببسط العوم كثيرا ، وأثاروا الفتنة ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه ، واقتتل أهل نهر طابق ، وأهل القلائين ، وأهل الكرخ ، وأهل باب
البصرة ،
[ ص: 215 ] وفي الجانب الشرقي أهل سوق السلاح ، وأهل سوق الثلاثاء ، وأهل باب الطاق والأساكفة ، وأهل سوق يحيى والرهادرة ، وأهل الفرضة ، وأهل
درب سليمان حتى قطع الجسر ليفرق بين الفريقين ، ودخل العيارون البلد ، وكبسوا
أبا محمد النسوي في داره بدرب الزبرج ، وكثر الاستقفاء نهارا والكبس ليلا .