وفي ذي الحجة توفي القادر بالله ، وولي القائم بالله .
باب ذكر
خلافة القائم بأمر الله
اسمه عبد الله بن القادر بالله ، ويكنى
أبا جعفر . أخبرنا
أبو منصور [ ص: 217 ] [
nindex.php?page=showalam&ids=14986عبد الرحمن بن محمد] القزاز ، أخبرنا
أبو بكر أحمد [بن علي] بن ثابت [الخطيب ] قال: سمعت
[أبا القاسم ] علي بن المحسن التنوخي يذكر أن مولد [الإمام]
nindex.php?page=showalam&ids=14932القائم [بأمر الله] يوم الجمعة الثامن عشر من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، وأمه أم ولد تسمى
قطر الندى ، أرمنية أدركت خلافته .
بويع للخلافة
nindex.php?page=showalam&ids=14932القائم بأمر الله بعد موت أبيه القادر بالله يوم الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، وكان القادر بالله جعله ولي عهده من بعده ، ولقبه القائم بأمر الله وخطب له بذلك في حياته .
قال المصنف رحمه الله: وذكر
أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب أن
nindex.php?page=showalam&ids=14932القائم [بأمر الله] ولد يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة ، وأنه بويع له بالخلافة يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة ، وأن أمه أم ولد اسمها بدر الدجى ، وأنه كان سنه يوم ولي إحدى وثلاثين سنة .
ذكر البيعة
لما توفي
nindex.php?page=showalam&ids=14934القادر حضر الأشراف والقضاة والفقهاء والأماثل ، وحفظت أبواب البلد مخافة الفتنة ، وخرج القائم بأمر الله وقت العصر من وراء ستر فصلى بالحاضرين المغرب ، وصلى بعدها على القادر فكبر أربعا ، ثم جلس في دار الشجرة على كرسي وعليه قميص ورداء ، فبايعه الناس ، فكان يقال للرجل تبايع أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=14932القائم بأمر الله على الرضا بإمامته ، والالتزام بشرائط طاعته ، فيقول: نعم ويأخذ يده فيقبلها ، وأول من بايعه
nindex.php?page=showalam&ids=15194المرتضى ، وقال له:
[ ص: 218 ] فإما مضى جبل وانقضى فمنك لنا جبل قد رسا وأنا فجعنا ببدر التمام
فقد بعثت منه شمس الضحى لنا حزن في محل السرور
وكم ضحك في خلال الرجا فيا صار ما أغمدته يد
لنا بعدك الصارم المنتضى ولما حضرناك عقد البياع
عرفنا بهداك طرق الهدى فقابلتنا بوقار المشيب
كمالا وسنك سن الفتى
وحضر الأمير
أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر من الغد وبايعه وكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له ، وهم الأتراك بالشغب لأجل رسم البيعة ، فتكلم تركي بما لا يصلح في حق الخليفة القائم فقتله هاشمي فثار الأتراك ، وقالوا: إن كان هذا بأمر الخليفة خرجنا عن البلد ، وإن لم يكن فيسلم إلينا القاتل ، فخرج توقيع الخليفة أنه لم يجر ذلك بإرادتنا ، وإنما فعله رعاع في مقابلة قول تجاوز به عدوه ، ونحن نطلب القاتل ونقيم فيه حد الله تعالى ، ولم يركب السلطان إلى البيعة غضبا للأتراك ، ثم لجوا في طلب مال البيعة ، فقيل لهم: إن القادر لم يخلف مالا فأدى الملك بهاء الدولة من عنده إلى الجند ، ثم تقرر الأمر على ما قيمته ثلاثة آلاف ألف دينار ، فعرض الخليفة عند ذلك خانا بالقطيعة وبستانا وشيئا من أنقاض الدار على البيع ، ووزر له
أبو طالب محمد بن أيوب ، وأبو الفتح بن دارست ، وأبو القاسم بن المسلمة ، وأبو نصر بن جهير ، وكان قاضيه
nindex.php?page=showalam&ids=13484ابن ماكولا ، وأبو عبد الله الدامغاني .
ذكر
طرف من سيرة القائم بأمر الله
كانت
للقائم عناية بالأدب ولم يكن يرتضي أكثر ما ينشأ في الديوان حتى يصلح فيه أشياء ، وروى الرئيس
أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام ، عن
أبي الفضل محمد بن علي بن عامر الوكيل ، قال: دخلت يوما إلى المخزن فلم يبق أحد إلا
[ ص: 219 ] وأعطاني قصة وامتلأت أكمامي بالرقاع [فلما رأيتها كثيرة] قلت: لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي [حتى] أعرض [عليه هذه الرقاع لأعرض] عني ، وألقيتها في بركة ماء
والقائم ينظر إلي وأنا لا أعلم ، فلما وقفت بين يديه أمر الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادروا إليها وبسطوها في الشمس فكلما جفت قصة حملت إليه ، فلما تأملها وقع عليها جميعها بأغراض أصحابها ، ثم قال: يا عامي - وكان إذا ضجر يخاطبني بهذا - ما حملك على هذا الفعل ، وهل كان عليك في إيصالها درك؟ فقلت: بل وقع لي أن الضجر يقع منها ، فقال: ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئا بل نحن وكلاء ، فلا تعد إلى ما هذا سبيله ، ومتى ورد عليك وارد فإياك أن تتقاصى عن أنصال قصته .
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة: كان الغدير ، وقام العيارون بالإشعال في ليلته ، ونحر جمل في صبيحته بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك ، واشتد تبسط هذه الطائفة ، وخلعوا جلباب المراقبة وتبسطوا وضربوا وقتلوا ، وفعل أهل السنة في محالهم ما كانوا يفعلونه من تعليق الثياب والسلاح ، وإظهار الزينة ، ونصب الأعلام ، وإشعال النيران ليلا في الأسواق في يوم الاثنين المقبل زعما منهم أنه في هذا اليوم اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار .
ثم إن العيارين أسعروا الناس ليلا كبسا لمنازلهم وأخذا لأموالهم ، ثم ظهروا وعدلوا بالكبسات عن الكرخ إلى باقي المحال .
وورد الخبر بأن قوما من الدعار كبسوا
أبا الطيب ابن كمارويه القاضي
بواسط في داره ، وأخذوا ما وجدوه وضربوه ضربات كانت فيها وفاته .
وخرجت هذه السنة ومملكة
جلال الدولة ما بين
الحضرة وواسط والبطيحة ، [ ص: 220 ] وليس له من ذلك إلا الخطبة ، فأما الأموال والأعمال فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأطراف منها في أيدي المقطعين من الأتراك والوزارة خالية من ناظر فيها .
وتأخرت الأمطار في هذه السنة ، وقلت الزراعة في السواد لقلة المياه ، وتجدد لاحتباس القطر يبس في الأبدان ، فأصاب أكثر الناس نزلات في رءوسهم وصدورهم معها حمى وسعال ، فكثر طباخو ماء الشعير حتى طبخه أصحاب الأرز باللبن ، وبيع كل ثلاثين رمانة حلوة بدينار سابوري ومنا شراب بعشرة قراريط ، وأصاب أهل
الري وهمذان وحلوان وواسط ونواحي
فارس وكرمان وأرجان نحو ذلك ، وكان السبب تأخر المطر .
ولم يحج الناس في هذه السنة من
خراسان والعراق لانقطاع الطرق ، وزيادة الاضطراب .