صفحة جزء
3342 - محمد بن عبد الواحد بن الصباغ:

سمع من ابن شاهين وغيره] وكان ثقة فاضلا ، درس فقه الشافعي على أبي حامد الإسفراييني ، وكانت له حلقة للفتوى في جامع المدينة . وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني .

وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب الدير .

[ ص: 13 ]

هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال ، أبو الحسين الكاتب الصابئ ، صاحب "التاريخ" .

ولد سنة تسع وخمسين ، وسمع أبا علي الفارسي ، وعلي بن عيسى الرماني ، وغيرهما ، وكان صدوقا ، وجده أبو إسحاق الصابئ صاحب "الرسائل" وكان أبوه المحسن صابئا ، فأما هو فأسلم متأخرا ، وكان قد سمع من العلماء في حال كفره؛ لأنه كان يطلب الأدب .

وتوفي في رمضان هذه السنة .

ذكر سبب إسلامه

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ ، حدثنا الرئيس أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب ، قال: قال هلال بن المحسن: رأيت في المنام سنة تسع وتسعين وثلاثمائة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وافى إلى موضع منامي ، والزمان شتاء ، والبرد شديد ، والماء جامد ، فأقامني فارتعدت حين رأيته ، فقال: لا ترع ، فإني رسول الله ، وحملني إلى بالوعة في الدار عليها دورق خزف ، وقال: توضأ وضوء الصلاة . فأدخلت يدي في الدورق فإذا الماء جامد ، فكسرته وتناولت من الماء ما أمررته على وجهي وذراعي وقدمي ، ووقف في صفه وصلى ، وجذبني إلى جانبه وقرأ الحمد ، وإذا جاء نصر الله والفتح ، وركع وسجد ، وأنا أفعل مثل فعله ، وقام ثانيا وقرأ الحمد وسورة لم أعرفها ، ثم سلم ، وأقبل علي وقال: أنت رجل عاقل محصل ، والله يريد بك خيرا ، فلم تدع الإسلام الذي قامت عليه الدلائل والبراهين ، وتقيم على ما أنت عليه؟! هات يدك وصافحني ، فأعطيته يدي فقال: قل: أسلمت وجهي لله ، وأشهد أن الله الواحد الصمد الذي لم يكن له [ ص: 14 ] صاحبة ولا ولد ، وأنك يا محمد رسوله إلى عباده بالبينات والهدى . فقلت ذاك ، ونهض ونهضت ، فرأيت نفسي قائما في الصفة ، فصحت صياح الانزعاج والارتياع ، فانتبه أهلي وجاءوا ، وسمع أبي فقال: ما لكم؟ فصحت به فجاءوا ، وأوقدنا المصباح وقصصت عليهم قصتي ، فوجموا إلا أبي فإنه تبسم ، وقال: ارجع إلى فراشك ، فالحديث يكون عند الصباح ، وتأملنا الدورق ، فإذا الجمد الذي فيه متشعث بالكسر ، وتقدم والدي إلى الجماعة بكتمان ما جرى ، وقال: يا بني ، هذا منام صحيح ، وبشرى محمودة ، إلا أن إظهار هذا الأمر فجأة ، والانتقال من شريعة إلى شريعة يحتاج إلى مقدمة وأهبة ، ولكن اعتقد ما وصيت به ، فإنني معتقد مثله ، وتصرف في صلاتك ودعائك على أحكامه ، ثم شاع الحديث .

ومضت مدة ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا على دجلة في مشرعة باب البستان ، وقد تقدمت إليه وقبلت يده فقال: ما فعلت شيئا مما وافقتني عليه وقررته معي؟ قلت: بلى يا رسول الله ، ألم أعتقد ما أمرتني به ، وتصرفت في صلاتي ودعائي على موجبه؟ فقال: لا ، وأظن أن قد بقيت في نفسك شبهة ، تعال .

وحملني إلى باب المسجد الذي في المشرعة ، وعليه رجل خراساني نائم على قفاه وجوفه كالغرارة المحشوة من الاستسقاء ، ويداه وقدماه منتفختان ، فأمر يده على بطنه وقرأ عليه فقام الرجل صحيحا معافى .

فقلت: صلى الله عليك يا رسول الله فما أحسن تصديق أمرك وأعجز فعلك! وانتبهت .

فلما كان في سنة ثلاث وأربعمائة رأيت في بعض الليالي كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم راكب على باب خيمة كنت فيها ، فانحنى على سرجه حتى أراني وجهه ، فقمت إليه وقبلت ركابه ، ونزل فطرحت له مخدة وجلس ، وقال: يا هذا ، كم آمرك بما أريد فيه الخير لك وأنت تتوقف عنه! قلت: يا مولاي ، أما أنا متصرف عليه؟ قال: بلى ، ولكن لا [ ص: 15 ] يغني الباطن الجميل مع الظاهر القبيح ، وأن تراعي أمرا فمراعاتك الله أولى ، قم الآن وافعل ما يجب ولا تخالف . قلت: السمع والطاعة .

فانتبهت ودخلت إلى الحمام ومضيت إلى المشهد وصليت فيه ، وزال عني الشك ، فبعث إلي فخر الملك فقال: ما الذي بلغني؟ فقلت: هذا أمر كنت أعتقده وأكتمه ، حتى رأيت البارحة في النوم كذا وكذا . فقال: قد كان أصحابنا يحدثوني أنك كنت تصلي بصلاتنا ، وتدعو بدعائنا ، وحمل إلي دست ثيابا ومائتي دينار فرددتهما ، وقلت: ما أحب أن أخلط بفعلي شيئا من الدنيا ، فاستحسن ما كان مني ، وعزمت أن أكتب مصحفا ، فرأى بعض الشهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له: تقول لهذا المسلم القادم نويت أن تكتب مصحفا ، فاكتبه ، فيه يتم إسلامك .

قال: وحدثتني امرأة تزوجتها بعد إسلامي قالت: لما اتصلت بك قيل لي: إنك على دينك الأول ، فعزمت على فراقك ، فرأيت في المنام رجلا قيل: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه جماعة ، قيل: هم الصحابة ، ورجل معه سيفان ، قيل: إنه علي بن أبي طالب ، وكأنك قد دخلت ، فنزع علي أحد السيفين ، فقلدك إياه ، وقال: هاهنا هاهنا . وصافحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع أمير المؤمنين رأسه إلي وأنا أنظر من الغرفة ، فقال: ما ترين إلى هذا؟ هو أكرم عند الله وعند رسوله منك ومن كثير من الناس ، وما جئناك إلا لنعرفك موضعه ، ونعلمك أننا زوجناك به تزويجا صحيحا ، فقري عينا ، وطيبي نفسا ، فما ترين إلا خيرا .

فانتبهت وقد زال عني كل شك وشبهة .

قال أبو علي بن نبهان في أثر هذا الحديث عن جده لأمه أبي الحسن الكاتب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في المرة الثالثة: وتحقيق رؤياك إياي أن زوجتك حامل بغلام ، فإذا وضعته فسمه محمدا . فكان ذلك كما قال ، وأنه ولد له ولد فسماه محمدا ، وكناه أبا الحسن .

[ ص: 16 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية