ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن
السلطان وصل إلى [إزاء] القفص فعزم الخليفة على تلقيه ، فاستعفى فأعفي من ذلك ، فأخرج إليه الوزير
أبو منصور ، فلما دخل العسكر نزلوا في دور الناس وأخرجوهم ، وأوقدوا أخشاب الدور لبرد عظيم كان ، وكانوا يتعرضون لحرم الناس ، حتى إن قوما من
الأتراك صعدوا إلى جامات حمام ففتحوها وطالعوا النساء ، ثم نزلوا فهجموا عليهن فأخذوا من أرادوا منهن ، وخرج الباقيات عراة إلى الطريق ، فاجتمع الناس وخلصوهن من أيديهم ، فعلوا هذا بحمامين .
وجاء عميد الملك إلى دار الخلافة وخدم عن السلطان فأوصله الخليفة وخاطبه بالجميل ، وأعطاه عدة أقطاع ثياب تشريفا له ، وتردد الخطاب في نقل الجهة إلى دار المملكة ، وبعث السلطان إلى الجهة بخاتمه ، وكان ذهبا وعليه فص ماس وزنه درهمان ، وبعث جبتين في سستحة ، ولازم عميد الملك المطالبة بها حتى بات في الديوان ، فكان مما قاله الخليفة: يا
منصور بن محمد ، أنت كنت تذكر أن الفرض في هذه الوصلة التشرف بها ، والذكر الجميل ، وكنا نقول لك: إننا ما نمتنع من ذاك إلا خوفا من المطالبة بالتسليم ، وجرى ما قد علمته ، ثم أخرجنا
ابن المحلبان ، وقرر [معكم]
[ ص: 80 ] قبل العقد ما أخذ به خطك ، وأنه إن كان يوما ما يطالبه برؤية واجتماع كان ذلك في الدار العزيزة النبوية ، ولم يسم إخراج هذه الجهة من دارنا ، فقال عميد الملك: هذا جميعه صحيح ، والسلطان مقيم عليه وعازم على الانتقال إلى هذه الدار العزيزة حسب ما استقر ، وهو يسأل أن يفرد لحجابه وغلمانه [وخواصه] فيها مواضع يسكنونها ، فما يمكنه بعدهم عنه ، فقطع بهذا الكلام الحجة ، ثم راجع وكرر إلى أن استقر انتقالها إلى دار المملكة على أن لا تخرج من بغداد ، وأن تكون بها إذا سافر السلطان ، وأحضر قاضي القضاة
nindex.php?page=showalam&ids=14275الدامغاني حتى استخلفه على الاجتهاد في ذلك .
وحمل السلطان إلى الخليفة مائة ألف دينار ، ومائة وخمسين ألف درهم ، وأربعة آلاف ثوب فيها عشرة طميم ، كل ذلك منسوب إليه .
[زفاف السيدة ابنة الخليفة إلى دار المملكة]
وفي ليلة الاثنين خامس عشر صفر: زفت السيدة ابنة الخليفة إلى
دار المملكة ، ونصب لها من
دجلة إلى الدار [سرادق] ، وضربت البوقات والدبادب عند دخولها الدار ، فجلست على سرير ملبس بالذهب ، ودخل السلطان إليها فقبل الأرض [لها] وخدمها ، وشكر الخليفة ، وخرج من غير أن يجلس ، ولا قامت له ولا كشفت برقعا كان على وجهها ولا أبصرته ، وكان السلطان والحجاب ووجوه
الأتراك يرقصون في صحن الدار فرحا وسرورا ، وأنفذ لها مع
أرسلان خاتون ، وكانت قد مضت في صحبتها عقدين فاخرين ، وقطعة ياقوت أحمر كبيرة [ودخل من الغد فقبل الأرض وخدمها ، وجلس على سرير ملبس بالفضة بإزائها ساعة ، ثم خرج وأنفذ إليها جواهر كثيرة] مثمنة ، وفرجية نسيج مكللة بالحب ، وما زال على مثل ذلك كل يوم يحضر ويخدم ، فظهر منه
[ ص: 81 ] سرور شديد من الخليفة ، تألم لما ألزمه من ذلك ، وخلع السلطان في بكرة يوم الاثنين على عميد الملك ، وزاد في ألقابه جزاء على توصله إلى هذا الأمر ، واتصل في دار المملكة السماط أسبوعا ، ثم كان في يوم الأحد لتسع بقين من الشهر سماط كبير ، وخلع على جميع الأمراء .
وفي يوم الخميس تاسع ربيع الأول: حضر عميد الملك
بيت النوبة ، واستأذن للسلطان
nindex.php?page=showalam&ids=16254طغرلبك في الانصراف وللسيدة
خاتون في المسير صحبته ، وأنه يستردها مدة ستة أشهر ، فأذن الخليفة للسلطان ولم يأذن
لأرسلان ، وقال: هذا لا يحسن . وتردد من المراجعة ما أدى إلى إذن الخليفة فيه ، وكانت شاكية من اطراحه لها ، وأنه لم يقرب منها منذ اتصل إليها .
وأنفذ للسلطان في يوم السبت [حادي عشر الشهر] خلع من حضرة الخليفة ، وخرج من الغد وهو ثقيل من علته ، مأيوس من سلامته ، واستصحب السيدة ابنة الخليفة معه بعد أن امتنعت ، فألزمها ، ولم يصحبها من دار الخلافة إلا ثلاث نسوة برسم خدمتها ، ولحق والدتها من الحزن ما لم يمكن دفعه عنها .