فصل في سبب بناء
الإيوان
قال: وبينا
كسرى أنوشروان جالسا في إيوانه القديم البناء إذ وقعت عيناه على وردة ، فقال لغلام كان على رأسه: هات تلك الوردة . فمضى الغلام فلم
[ ص: 112 ] يرها فعاد ، فقال: لم أرها . فقال: ويحك ، هي تلك . وأشار إليها فأبصرها الغلام في حضرته ، فلما انتهى إليها لم يرها . فقام
أنوشروان بنفسه ، ومشى إلى البستان ، فحين مد يده ليقطعها وقع
الإيوان ، فنظر إلى شيء من لطف الله عز وجل فعجب وسر سرورا شديدا ، وتصدق بمال جزيل ، ثم أعاد بناء
الإيوان أفضل من بنائه الأول ، وهذا هو
الإيوان الموجود اليوم .
فلما فرغ منه رفع رأسه يوما فرأى حمامة وحشية فوق المشرف ، وإذا حية عظيمة قد دنت إلى الحمامة لتثب عليها وتبتلعها ، فرمى الحية بقوس البندق ، فسقطت إلى الأرض وطارت الحمامة سليمة ، فسر بإحسانه إلى الحمام ، ثم جاءت الحمامة بعد خمسة أيام فقعدت على تلك الشرفة ، فلما رآها
أنوشروان أخذت ترمي حبا لا يدرون ما هو ، فأخذه فزرعه في بستان داره فنبت نباتا طيب الريح ، فقال: نعم ما كافأتنا الحمامة به حين نجيناها من الهلاك فبحق قيل: لن يضيع المعروف ، وأنا أسأل [ الله ] الذي ألهم هذا الطائر من شكرنا [ ما ألهمه ] أن يلهم رعيتنا في ذبنا عنهم ، وإخراجنا إياهم من الهلكة في دينهم ودنياهم إلى الهدى لشكرنا ، وأن يلهمنا نحن الصبر على الإحسان إليهم .
ولم يزل مظفرا منصورا يهابه الأمم ، يحضر بابه من وفدهم عدد كبير من
[ ص: 113 ] الترك والصين والخزر ، وكان مكرما للعلماء ، وملك ثمانيا وأربعين سنة . وقيل: سبعا وأربعين سنة ، وثمانية أشهر وعشرة أيام .