ثم دخلت سنة خمس وثمانين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن
السلطان ملك شاه تقدم في المحرم ببناء سوق المدينة لمقاربة داره التي بمدينة nindex.php?page=showalam&ids=16254طغرلبك ، وبنى فيها خانات الباعة ، وسوقا عنده ، ودروبا ، وآدر ، وبنت
خاتون حجرة لدار الضرب ، ونودي أن لا تعامل إلا بالدنانير ، ثم بعمارة الجامع الذي تمم بأخرة على يدي بهروز الخادم في سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، وتولى السلطان تقدير هذا الجامع بنفسه وبدرهم منجمه وجماعة من الرصديين ، وأشرف على ذلك قاضي القضاة
أبو بكر الشامي ، وجلبت أخشابه من
جامع سامرا ، وكثرت العمارة بالسوق ، واستأجر
نظام الملك بستان الجسر وما يليه من وقوف المارستان [مدة خمسين سنة] وتجرد لعمارة ذلك دارا وأهدى له
أبو الحسن الهروي خانه ، وتولى عمارة ذلك
أبو سعد بن سمحا اليهودي ، وابتاع
تاج الملك أبو الغنائم دار الهمام وما يليها بقصر
بني المأمون ، ودار
ختلغ أمير الحاج ، وبنى جميع ذلك دارا ، وتولى عمارتها
الرئيس أبو طاهر ابن الأصباغي .
وفي المحرم: قصد الأمير
جعفر بن المقتدي أباه أمير المؤمنين ليلا فزاره ثم عاد .
وفي المحرم:
مرض نظام الملك فكان يداوي نفسه بالصدقة ، فيجتمع عنده خلق من الضعفاء فيتصدق عليهم ، فعوفي . [ ص: 299 ]
وفي النصف من ربيع الأول: توجه السلطان خارجا إلى
أصفهان ، وخرج صحبته الأمير
أبو الفضل بن المقتدي .
وفي يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى:
وقع الحريق بنهر معلى في الموضع المعروف بنهر الحديد إلى خرابة الهراس وإلى
باب دار الضرب ، واحترق سوق الصاغة ، والصيارف ، والمخلطيين ، والريحانيين من الظهر إلى العصر ، وهلك خلق كثير من الناس ، ومن جملتهم الشيخ
مالك البانياسي المحدث ،
وأبو بكر بن أبي الفضل الحداد ، وكان من المجودين في علم القرآن ، وأحاطت النار بمسجد الرزاقين ولم يحترق ، وتقدم الخليفة إلى
عميد الدولة أبي منصور بن جهير ، فركب ووقف عند
مسجد ابن جردة ، وتقدم بحشر السقائين والفعلة ، فلم يزل راكبا حتى طفئت النار .
وفي مستهل رمضان:
توجه السلطان من أصفهان إلى بغداد بنية غير مرضية ، ذكر عنه أنه أراد تشعيث أمر
nindex.php?page=showalam&ids=15298المقتدي ، وكان معه
النظام ، فقتل النظام في عاشر رمضان في الطريق ، ووصل نعيه إلى بغداد في ثامن عشر رمضان ، فلما قارب السلطان
بغداد خلع
nindex.php?page=showalam&ids=15298المقتدي على وزيره
عميد الدولة أبي منصور تشرفا له وجبرا لمصابه
بنظام الملك ، فإنه كان يعتضد به ، وهو الذي سفر له في عوده إلى منصبه ، وكان
أبو العميد الدولة قد تزوج بنت
النظام ، فخرج في الموكب للتلقي يوم الخميس ثاني عشرين رمضان ، وسار إلى
النهروان ، وأقام إلى العصر من يوم الجمعة ، ودخل ليلة السبت [ودخل السلطان إلى
دار المملكة يوم السبت] ومنع
تاج الملك العسكر أن ينزل في دار أحد وركب
أبو العميد الدولة وأربابها معه إلى دار السلطان ، فهنأه عن الخليفة بمقدمه وبعث السلطان إلى الخليفة يقول: لا بد أن تترك لي
بغداد وتنصرف إلى أي البلاد شئت ، فانزعج الخليفة من هذا انزعاجا شديدا ، ثم قال: أمهلني شهرا . فعاد الجواب: لا يمكن أن تؤخر ساعة . فقال الخليفة لوزير السلطان: سله أن يؤخرنا عشرة أيام . فجاء إليه فقال: لو أن رجلا من العوام أراد أن ينتقل من دار تكلف للخروج ، فكيف بمن يريد أن ينقل أهله ومن يتعلق به ، فيحسن أن تمهله عشرة أيام . فقال: يجوز . فلما كان يوم عيد الفطر صلى
[ ص: 300 ] السلطان بالمصلى العتيق ، وخرج إلى الصيد فافتصد ، فأخذته الحمى ، وكان قد فوض الأمر إلى
تاج الملوك أبي الغنائم ، وأوقع عليه اسم الوزارة واستقر أن تفاض عليه الخلع يوم الاثنين رابع شوال فمنع هذا الأمر الذي جرى ، وركب
أبو العميد الدولة مع الجماعة إلى السلطان فلم يصلوا إليه ، ونقل
أرباب الدولة أموالهم إلى حريم الخليفة ،
وتوفي السلطان فضبطت زوجته زبيدة خاتون العسكر بعد موته أحسن ضبط ، فلم يلطم خد ، ولم يشق ثوب ، وبعثت بخاتم السلطان مع الأمير
قوام الدولة صاحب
الموصل إلى القلعة التي
بأصبهان تأمر صاحبها بتسليمها ، وأتبعته بالأمير قماج ، فاستوليا على أمور القلعة ، وساست الأمور سياسة عظيمة . وأنفقت الأموال التي جمعها
ملك شاه فأرضت بها العسكر ، وكانت تزيد على عشرين ألف ألف دينار ، واستقر مع الخليفة ترتيب ولدها
محمود في السلطنة وعمره يومئذ خمس سنين وعشرة أشهر ، وخطب له على منابر الحضرة ، وترتب لوزارته
تاج الملك أبو الغنائم المرزبان بن خسرو ، وجاء
أبو العميد الدولة بخلع من الخليفة فأفاضها على
محمود ، ودخل إلى أمه فعزاها وهنأها عن الخليفة ، ثم خرج العسكر
وخاتون وولدها المعقود له السلطنة ووزيره هذا يوم الثلاثاء السادس والعشرين من شوال ، وحمل الأمير
أبو الفضل جعفر بن المقتدي إلى أبيه ، ودخل أولئك إلى
أصبهان ، وخطب
لمحمود بالحرمين ، وراسلت أمه الخليفة أن يكتب له عهدا ، فجرت في ذلك محاورات إلى أن اقتضى الرأي أن يكتب له عهد باسم السلطنة و [راسلت أمه الخليفة أن يكتب له عهدا باسم السلطنة] خاصة ، ويكتب للأمير أنر عهد في تدبير الجيوش ، ويكتب
لتاج الملك عهد بترتيب العمال وجبايات الأموال ، فأبت الأم إلا أن يستند ذلك كله إلى ابنها
[محمود] فلم يجب الخليفة وقال: هذا لا يجيزه الشرع واستفتى الفقهاء ، فتجرد
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي وقال: لا يجوز إلا ما قاله الخليفة ، وقال
المشطب بن محمد الحنفي: يجوز ما قالته الأم ، فغلب قول
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي . [ ص: 301 ]
وفي شوال:
قتل ابن سمحا اليهودي .
وفي ذي القعدة: طمع
بنو خفاجة في الحاج لموت السلطان ، وبعد العسكر ، فهجموا عليهم حين خرجوا من
الكوفة ، فأوقعوا على
ابن ختلغ الطويل [أمير الحاج] وقتلوا أكثر العسكر ، وانهزم باقيهم إلى
الكوفة ، فدخل
بنو خفاجة الكوفة فأغاروا وقتلوا ، فرماهم الناس بالنشاب فأعروا الرجال والنساء ، فبعث من
بغداد عسكر ، فانهزم
بنو خفاجة ونهبت أموالهم ، وقتل منهم خلق كثير .
فأما مماليك
النظام فإنهم بعده أووا إلى بركيارق ابن السلطان
ملك شاه الكبير ، وخطبوا له
بالري ، وانحاز إليه أكثر العسكر سوى الخاصكية ، فإنهم التجئوا إلى
خاتون ، ففرقت عليهم ثلاثة آلاف ألف دينار ، وأنفذتهم إلى قتال بركيارق ، وكان مدبر العسكر وزعيمه الوزير
تاج الملك ، فالتقى الفريقان في سادس عشر ذي الحجة بقرب بروجرد ، فاستأمن أكثر الخاصكية إلى بركيارق ، ووقعت الهزيمة ، وأسر
تاج الملك وقتل .
وجاء الخبر بما نزل بأهل
البصرة من البرد الذي في الواحدة منه خمسة أرطال ، وبلغ بعضه ثلاثة عشر رطلا ، فرمى الأبراج المبنية بالجص والآجر ، وقصف قلوب النخل وأحرقها ، وكان معه ريح فقصف عشرات ألوف من النخل ،
واستدعى قاضي واسط ابن حرز إلى بغداد فعزل وقلد القضاء أبو علي الحسن بن إبراهيم الفارقي ، ووصل إلى
واسط في جمادى الأولى .