ثم دخلت
سنة أربع وتسعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
[ولاية أبي الفرج ابن السيبي قضاء باب الأزج]
أنه في المحرم ولي
أبو الفرج ابن السيبي قضاء باب الأزج ، حين مرض حاكمها
أبو المعالي عزيزي ، ولما توفي
عزيزي وقع إلى
أبي الفرج ابن السيبي أن ينوب عنه
أبو سعيد المخرمي ، وتقررت وزارة الخليفة
لأبي المحاسن عبد الجليل بن محمد الدهستاني ، وهو الذي استوزره
بركيارق ، ولقبه
نظام الدين ، وجددت عمارة ديوان الخليفة ونظريته ، وعين على حضوره فيه ، وإفاضة الخلع عليه يوم السبت سادس صفر ، فوصلت من
بركيارق كتب تستدعيه ، فسارع إلى ذلك ، وبطل ما عزم عليه ، وشهد في جمادى الآخرة عند
أبي الحسن الدامغاني أبو العباس أحمد بن سلامة الكرخي المعروف بابن الرطبي ، وأبو الفتح محمد بن عبد الجليل الساوي ، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي شيخنا .
[قتل السلطان بركيارق خلقا من الباطنية]
وفي هذه السنة: قتل السلطان
بركيارق خلقا من الباطنية ممن تحقق مذهبه ، ومن اتهم به ، فبلغت عدتهم ثمانمائة ونيفا ، ووقع التتبع لأموال من قتل منهم ، فوجد لأحدهم سبعون بيتا من الزوالي المحفور ، وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة ، فتقدم
[ ص: 63 ] بالقبض على قوم يظن فيهم ذلك المذهب ، ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد؛ لئلا يظن ميله إلى ذلك المذهب ، وزاد تتبع العوام لكل من أرادوا ، وصار كل من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب ، فيقصد [وينهب] حتى حسم هذا الأمر فانحسم .
وأول ما عرف من أحوال الباطنية في أيام
[ملك شاه] جلال الدولة ، فإنهم اجتمعوا فصلوا صلاة العيد في ساوة ، ففطن بهم الشحنة ، فأخذهم وحبسهم ، ثم أطلقهم ، ثم اغتالوا مؤذنا من أهل ساوة ، فاجتهدوا أن يدخل معهم فلم يفعل ، فخافوا أن ينم عليهم فاغتالوه فقتلوه ، فبلغ الخبر إلى نظام الملك ، وتقدم بأخذ من يتهم بقتله ، فقتل المتهم ، وكان نجارا .
فكانت أول فتكة لهم قتل
نظام الملك ، وكانوا يقولون: قتلتم منا نجارا ، وقتلنا به
نظام الملك ، فاستفحل أمرهم
بأصبهان لما مات
ملك شاه ، فآل الأمر إلى أنهم كانوا يسرقون الإنسان فيقتلونه ويلقونه في البئر ، فكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله يئسوا منه ، وفتش الناس المواضع ، فوجدوا امرأة في دار الأزج فوق حصير ، فأزالوها فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا ، فقتلوا المرأة ، وأخربوا الدار والمحلة ، وكان يجلس رجل ضرير على باب الزقاق الذي فيه الدار ، فإذا مر به إنسان سأله أن يقوده خطوات إلى الزقاق ، فإذا حصل هناك جذبه من في الدار ، [واستولوا عليه] ، فجد المسلمون في طلبهم بأصبهان ، وقتلوا منهم خلقا كثيرا .
وأول قلعة تملكتها الباطنية قلعة في ناحية يقال لها: الروذناذ من نواحي الديلم ، وكانت هذه القلعة لقماج صاحب ملك شاه ، وكان مستحفظها متهما بمذهب القوم ، فأخذ ألفا ومائتي دينار وسلم إليهم القلعة في سنة ثلاث وثمانين في أيام ملك شاه ، فكان متقدمها
nindex.php?page=showalam&ids=14106الحسن بن الصباح -وأصله من مرو- وكان كاتبا للأمير
عبد الرزاق بن بهرام؛ إذ كان صبيا ، ثم سار إلى
مصر ، وتلقى من دعاتهم المذهب ، وعاد داعية للقوم ، ورأسا فيهم ، وحصلت له هذه القلعة ، وكانت سيرته في دعائه أنه لا يدعو إلا غبيا ، لا يفرق بين شماله ويمينه ،
[ ص: 64 ] ومن لا يعرف أمور الدنيا ، ويطعمه الجوز والعسل والشونيز ، حتى يتسبط دماغه ، ثم يذكر له حينئذ ما تم على [أهل] بيت المصطفى من الظلم والعدوان ، حتى يستقر ذلك في نفسه ، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مع بني أمية ، فما سبب تخلفك بنفسك في نصرة إمامك؟! فيتركه بهذه المقالة طعمة للسباع .
وكان
ملك شاه قد أنفذ إلى هذا
ابن الصباح يدعوه إلى الطاعة ، ويتهدده إن خالف ، ويأمره بالكف عن بث أصحابه لقتل العلماء والأمراء ، فقال في جواب الرسالة والرسول حاضر: الجواب ما ترى ، ثم قال لجماعة وقوف بين يديه: أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة ، فمن ينهض لها؟ فاشرأب كل واحد منهم لذلك ، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم ، فأومأ إلى شاب منهم ، فقال له: اقتل نفسك ، فجذب سكينة وضرب بها غلصمته [فخر ميتا] ، وقال لآخر: ارم نفسك من القلعة ، فألقى نفسه فتمزق ، ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي [من هؤلاء] عشرين ألفا ، هذا حد طاعتهم لي ، وهذا هو الجواب .
فعاد الرسول إلى السلطان ملك شاه ، فأخبره بما رأى ، فعجب من ذلك وترك كلامهم ، وصار بأيديهم قلاع كثيرة ، فمنها قلعة على خمسة فراسخ من أصبهان ، كان حافظها تركيا ، فصادقه نجار باطني ، وأهدى له جارية وفرسا ومركبا ، فوثق به ، واستنابه في حفظ المفاتيح ، فاستدعى النجار ثلاثين رجلا من أصحاب
ابن عطاش ، وعمل دعوة ، ودعا التركي وأصحابه ، وسقاهم الخمر ، فلما سكروا دفع الثلاثين بالحبال إليه ، وسلم إليهم القلعة ، فقتلوا جماعة من أصحاب التركي ، وسلم التركي وحده فهرب ، وصارت القلعة بحكم
ابن عطاش ، وتمكنوا وقطعوا الطرقات ما بين
فارس وخوزستان ، فوافق الأمير جاولي سقاوو جماعة من أصحابه حتى أظهروا الشغب عليه ، وانصرفوا عنه ، وأتوا إلى الباطنية وأشاعوا الموافقة لهم ، ثم أظهر أن الأمراء بني برسق يقصدونه ، وأنه
[ ص: 65 ] على ترك البلاد عليهم ، والانصراف عنهم ، فحادت طائفة من أصحابه عنه ، فلما سار بلغ الباطنية حده ، فحسن له أصحابه المنحازون إليهم أتباعه ، والاستيلاء على أمواله ، فساروا إليه بثلاثمائة من صناديدهم ، فلما توسطوا الشعب عاد عليهم ومن معه من أصحابه ، فقتلوهم ، فلم يفلت إلا ثلاثة نفر تسلقوا في الجبال ، فغنم خيلهم وأموالهم ، وتهذبت الطرق بهلاكهم ، وتبعهم بعض الأمراء ، وقتل خلقا ، منهم
ابن كوخ الصوفي ، وكان قد أقام ببغداد بدرب زاخي في الرباط مدة ، وكان يحج في كل سنة بثلاثمائة من الصوفية ، وينفق عليهم الألوف من الدنانير ، وقتل جماعة من القضاة اتهموا بهذا المذهب ، وكان قد حصل بعسكر
بركيارق جماعة ، واستغووا خلقا من الأتراك ، فوافقوهم في المذهب ، فاستشعر أصحاب السلطان ولازموا لبس السلاح ، ثم تتبعوا من يتهم ، فقتلوا أكثر من مائة .
وثم بلد يعرف بالصيمر -هو سواد يقارب المشان- يعتقد أهله في ابن الشيباش وأهل بيته ، وكان له نارنجيات انكشفت لبعض أتابعه ، ففارقه وبين للناس أمره ، فكان مما أخبر به عنه أنه قال: أحضرنا يوما جديا مشويا ونحن جماعة من أصحابه ، فلما أكلناه أمر برد عظامه إلى التنور فردت ، وترك على التنور طبقا ، ثم رفعه بعد ساعة ، فوجدنا جديا حيا يرعى حشيشا ، ولم نر للنار أثرا ، ولا للرماد خبرا ، فتلطفت حتى عرفت هذه النارنجية ، وذاك أنى وجدت ذلك التنور يفضي إلى سرداب ، وبينهما طبق حديد يدور بلولب ، فإذا أراد إزالة النار عنه فركه ، فينزل إليه ويترك مكانه طبقا آخر مثله . وستأتي أخبار
ابن الشيباش فيما بعد إن شاء الله تعالى .