ثم دخلت
سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
فمن الحوادث فيها:
أن
بركيارق توجه إلى بغداد ، فمرض
بيزدجرد ، فخلع على ولده
ملك شاه ، وأسند وصيته إلى
إياز ، ومات ، فقصد إلى
بغداد وأجلس الصبي على التخت ، وله من عمره أربع سنين وعشرة أشهر ، ومضى إليه
الوزير أبو القاسم ابن جهير وخدمه كما كان يخدم أباه بمحضر من
إياز . ثم انفصل
إياز إلى مكان من روشن دار المملكة حتى قصده الوزير وخدمه خدمة مفردة ، وكان
إياز هو المستولي على الأمور ، ونزل
إياز دار
سعد الدولة ببغداد ، وحضر من أصحابه الديوان قوم فطالبوا بالخطبة ، فخطب له بالديوان بعد العصر ، وخوطب بجلال الدولة ، وخطب له يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى في جوامع بغداد ، ونثر عند ذكره الدراهم والدنانير .
وكان
سيف الدولة قد ظاهر هذا العسكر بالعداوة ، وجمع خمسة عشر ألف فارس ، فنفذ إليه إياز هدايا ، فبعث في جوابها ثلاثة آلاف دينار على ما هو عليه ، وعلم إياز بقرب السلطان محمد فخيم بالزاهر ، وشاور أصحابه فقووا عزمه على الثبات ، وكان أشدهم في ذلك ينال ، فقال له وزيره المسمى بالصفي: كلهم أشار بغير الصواب ، وإنما الصواب مصالحة السلطان محمد .
فلما كان يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الأولى قصد الأتراك نهر معلى ، وجمعوا السفن من المشارع إلى معسكرهم بالزاهر ، فلما كان يوم الجمعة ثاني عشرين جمادى
[ ص: 91 ] الأولى نزل السلطان
محمد الرملة . وانزعج أهل
بغداد وخافوا امتداد الفساد ، فركب إياز حتى أشرف على عسكر محمد ، فوقع في نفسه الصلح فاستدعى وزيره الصفي وأمره بالعبور إلى السلطان
محمد ، وأن يصالحه ، وقال: إني لو ظفرت لم يسكن صدري على نفسي ، والصواب أن أغمد سيوف الإسلام المختلفة .
فعبر وزيره واجتمع بالوزير
سعد الملك أبي المحاسن ، وحضرا بين يدي السلطان
محمد ، فأدى الصفي رسالة صاحبه واعتذر عما جرى منه بسابق القدر ، فوافق من السلطان قبولا ، وعبر
nindex.php?page=showalam&ids=13046ابن جهير والموكب إلى
محمد فلقوه وحضر
nindex.php?page=showalam&ids=12440إلكيا الهراسي ، فتولى أخذ اليمين المغلظة على السلطان
محمد ، وأمن الناس ، وعمل
إياز دعوة للسلطان
محمد في دار
سعد الدولة ، فحضر السلطان وخدمه بغلمان أتراك بالخيول والأسلحة الظاهرة ، وبجواهر نفيسة منها الجبل البلخشي الذي كان لمؤيد الملك بن نظام الملك .
واتفق أن الأتراك مازحوا رجلا فالبسوه سلاحا وخفا وقميصه فوق ذلك ونالوه بأيديهم ، فدنا من السلطان فسأل عنه ، فأخبر أن تحت قميصه سلاحا فاستشعر ونهض من مكانه .
فلما كان يوم الخميس ثالث عشر جمادى الآخرة استدعى السلطان الأمراء سيف الدولة
وإياز وغيرهما ، فحضروا فخرج إليهم الحاجب ، وقال: السلطان يقول لكم: بلغنا نزول الأمير أرسلان بن سليمان بديار بكر ، وينبغي أن يجتمع آراؤكم على من يتجهز لقتاله ، فقال الجماعة: هذا أمر لا يصلح إلا للأمير إياز ، فقال إياز: ينبغي أن أجتمع مع سيف الدولة ونتعاضد على ذلك ، فخرج الحاجب ، فقال: السلطان يقول لكما: قوما فادخلا لتقع المشورة ها هنا ، فدخلا إليه وقد رتب أقواما لقتل إياز ، فلما دخل
إياز بادره أحدهم بضربة أبان بها رأسه ، وأما
سيف الدولة فغطى وجهه بكمه ، وأما الوزير
سعد الملك فأظهر أنه أخذته غشية ، وأخرج
إياز مقتولا في زلي ورأسه مقطوع على صدره ، فألقي بإزاء دار السلطان ، وركب عسكر
إياز إلى داره فنهبوها ، وجمع بين بدنه ورأسه قوم من المطوعة ، وكفنوه في خرقة خام ، وحملوه إلى مقبرة الخيزران .