فصل
قال علماء السير: وكان بين
كسرى أنوشروان وبين
يخطيانوس ملك الروم هدنة وموادعة ، فوقع بين رجل كان ملكه ملك
الروم يقال له:
خالد بن جبلة وبين رجل كان ملكه
كسرى يقال له:
المنذر بن النعمان نائرة ،
فأغار خالد على حيز المنذر ، [ ص: 135 ] فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ، وغنم أموالا ، فشكا ذلك
المنذر إلى
كسرى ، فكتب
كسرى إلى ملك
الروم يذكر ما بينهما من العهد ، ويعلمه ما لقي عامله
المنذر ، ويسأله أن يأخذ
خالد بأن يرد على
المنذر ما غنم من حيزه ، ويدفع إليه دية من قتل ، وأن لا يستخف بما كتب إليه ، فيكون في ذلك انتقاض ما بينهما من العهد .
ثم واتر الكتب بذلك فلم يحفل بها ملك
الروم ، فغزاه
كسرى في بضعة وتسعين ألف مقاتل ، فأخذ
مدينة دارا ،
ومدينة الرهاء ، ومدينة منبج ، ومدينة قنسرين ، ومدينة حلب ، ومدينة أنطاكية - وكانت أفضل مدينة
بالشام -
ومدينة فامية ، [ ومدينة ] حمص ، ومدنا كثيرة ، واحتوى على ما كان منها ، وسبى
أهل مدينة أنطاكية ، ونقلهم إلى أرض السواد ، وكان ملك
الروم يؤدي إليه الخراج ، وكان
قباذ قد أمر في آخر ملكه بمسح الأرض ، سهلها ووعرها ، ليصح الخراج عليها ، فمسحت ، غير أن
قباذ هلك قبل أن يستحكم أمر المساحة .
فلما ملك كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون ، ثم استشار الناس وقال: نريد أن نجمع من ذلك في بيوت أموالنا ما لو أتانا عن ثغر أو طرف فتق ، كانت الأموال عندنا معدة . فاجتمع رأيهم على وضع الخراج على ما يعصم الناس والبهائم ، وهو الحنطة والشعير والأرز والكرم والرطاب والنخل والزيتون ، فوضعوا عن كل جريب أرض رطاب سبعة دراهم ، وعلى كل أربع نخلات فارسي درهما ، وعلى كل ست نخلات دقل مثل ذلك ، وعلى كل ستة أصول زيتون مثل ذلك ، ولم يضعوا إلا على النخل الذي تجمعه الحديقة دون الشاذ .
وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل البيوتات والعظماء والمقاتلة والهرابذة والكتاب ، ومن كان في خدمة الملك ، وصيروها على طبقات: اثني عشر درهما ، وثمانية ، وستة ، وأربعة ، على قدر إكثار الرجل وإقلاله ، ولم يلزم الجزية من كان له من السن دون العشرين وفوق الخمسين ، واقتدى بجمهور هذه الأشياء
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
قالوا: وكان
كسرى ولى رجلا من الكتاب - ذا كفاية ، يقال له:
بابك بن البيروان -
[ ص: 136 ] ديوان المقاتلة ، فاستعرض العسكر ولم ير
كسرى فيهم . فقال: انصرفوا ، فاستعرضهم في اليوم التالي فلم ير
كسرى فيهم ، فقال: انصرفوا ، وأمر مناديهم ، فنادوا في اليوم الثالث: لا يتخلفن أحد ، ولا من أكرم بتاج وسرير . فبلغ ذلك
كسرى ، فوضع تاجه ، وتسلح بسلاح المقاتلة ، ثم أتى
بابك ليعرض عليه ، وكان الفارس يؤخذ بالسلاح التام ، فجاء
كسرى بسلاح يعوزه شيء يسير ، فقال: أيها الملك ، إنك واقف مقام المعدلة التي لا محاباة فيها ، فهلم كلما يلزمك من الأسلحة . ففعل ، فلما قام
بابك إلى
كسرى قال: إن غلظتي في الأمر الذي أغلظت فيه اليوم عليك ، إنما كان لينفذ أمري الذي وضعتني له .
فقال
كسرى : ما غلظ علينا أمر أريد به تدبر صلاح رعيتنا . قالوا: ولم يكن
ببلاد الفرس بنات آوى فتساقط إليها من
بلاد الترك في زمان
كسرى ، فشق على
كسرى ، وسأل
موبدان عن ذلك ، فقال: متى تغير عدل بجور تساقط إلى أرباب ذلك ما يكرهون . فأمر
كسرى عماله أن لا يتعدوا العدل .