ثم دخلت
سنة إحدى وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
[تجديد الخلع المستظهرية]
أنه جددت الخلع المستظهرية في أول المحرم على الوزير
أبي المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب ، ووصل إلى الخليفة وشافهه بما رفع قدره ، ولم يصل معه إلا
أبو القاسم بن الحصين صاحب المخزن . [دخول السلطان محمد إلى بغداد]
وفي ربيع الآخر: دخل السلطان
محمد إلى
بغداد واصطاد في طريقه صيدا كثيرا ، وبعث أربع جمازات عليها أربعون ظبيا هدية إلى دار الخلافة ، وكان على الظباء وسم السلطان
جلال الدولة ملك شاه فإنه كان يصيد الغزلان فيسمها ويطلقها .
ومضى الوزير
أبو المعالي في الموكب لخدمة السلطان ، وحمل معه شيئا من ملابس الخليفة ، وأخرج مجلدا بخط الخليفة يشتمل على دعاء رواه
العباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام السلطان فدعا وشكر هذا الاهتمام ، وانصرف الوزير وصاحب المخزن إلى دار نظام الملك وقد كان حاضرا أداء الرسالة إلى السلطان ، لكنه سبق إلى داره ، فأدى الوزير رسالة عن الخليفة تتضمن مدح بيته وسلفه ، فقام وقبل الأرض ودعا وشكر ، وخرج السلطان إلى مشهد أبي حنيفة ، فدخل فاجتمع إليه الفقهاء ، فقال: هذا يوم قد انفردت فيه مع الله تعالى فخلوا بيني وبين المكان ، فصعدوا إلى أعاليه ، فأمر غلمانه بغلق الأبواب ، وأن لا يمكنوا الأمراء من الدخول ، وأقام يصلي ويدعو ويخشع ، وأعطاهم خمسمائة دينار ، وقال: اصرفوا هذه في مصالحكم وادعوا لي .
ومرض نحو عشرة من غلمانه الصغار ، فبعث بهم المتولي لأمورهم إلى المارستان ، فلما علم بعث
[ ص: 108 ] مائة دينار فصرفت في مصالح المكان ، وخرج يوما فرأى الفقهاء حول داره وهم نحو من أربعمائة ، فأمر بكسوتهم جميعا ، وحملت إليه قسي بندق فلما رآها قال: قد ذكرت بها شيخا من الأتراك قد تعطل فأتوه به فأعطاه ثلاثين دينارا ، وكان أصحابه لا يظلمون أحدا ولا يتعرضون بأذى ، ولقد جاء بعض الصبيان الأتراك إلى بعض البيادر فقال: بيعوني تبنا ، فقالوا: التبن عندنا مبذول للصادر والوارد فخذ منه ما أحببت ، فأبى ، وقال: ما كنت لأبيع رأسي بمخلاة تبن فإن أخذتم ثمن ذلك وإلا انصرفت ، فباعوه بما طلب ، ثم كثر الفساد فعاثوا وصعب ضبطهم .
وكان
صدقة بن مزيد قد باين هذا السلطان ، وكان السبب أن
سرخاب الديلمي عصى على السلطان فاستجار بصدقة ، فطلبه فامتنع من تسليمه ، فسار السلطان إليه وآل الأمر إلى الحرب ، وصار مع صدقة أكثر من عشرين ألفا فالتقوا وكانت الوقعة في رجب ، فصف صدقة عسكره ، فجعل في ميمنته ابنه
دبيس ، وسعيد بن حميد ومعهما
خفاجة وجماعة من الأكراد ، وفي مقابلتهم من العسكر السلطاني البرسقي والسعدية . وكان في ميسرته ابنه
بدران ومعه عبادة بأسرها ، وفي مقابلتهم من العسكر السلطاني الأمير
أحمد بك وجماعة من الأمراء ، وكان
سيف الدولة في قلب عسكره ومعه
سرخاب الديلمي ، وأبو المكارم حماد بن أبي الجبر ، فأما خفاجة وعبادة فلزمت مواضعها ، وحمل قلب عسكر
سيف الدولة وحمل معهم فحصلت خيولهم في الطين والماء ، وكانت الأتراك تخرج من أيديهم في رمية واحدة عشرة آلاف نشابة ، وتقاعد عن صدقة جماعة من العرب فصاح
صدقة: يال خزيمة ، يال ناشرة ، يال عوف ، وجعل يقول: أنا تاج الملوك ، أنا ملك العرب ، فأصابه سهم في ظهره وأدركه غلام اسمه بزغش من السعدية ، أحد أتباع الأتراك الواسطيين ، وهو لا يعرفه ، فجذبه عن فرسه فسقطا إلى الأرض جميعا ، فقال له
صدقة - وهو بارك بين يديه يلهث لهثا شديدا-: ارفق . فضربه فرمى قحفه ثم حز رأسه وحمله ، وانهزم أصحابه وأسر منهم
حماد بن أبي الجبر ، ودبيس بن صدقة ، وسرخاب الديلمي الذي نشأت الفتنة بسببه ، وأخذ
دبيس فحلف على خلوص النية ،
[ ص: 109 ] وأطلق وزادت القتلى على ثلاثة آلاف ، وأخذ من زوجته خمسمائة دينار وجواهر ، وكانت الوقعة بعد صلاة الجمعة تاسع عشر رجب .