ثم دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة
فمن الحوادث فيها:
أنه لما
التجأ nindex.php?page=showalam&ids=15862دبيس بن صدقة إلى الملك طغرل بن محمد بن ملك شاه وحسن له أن يطلب السلطنة والخطبة ، وقصد
بغداد ، وتقدم الخليفة بالاستعداد لمحاربتهما ، وأمر بفتح باب من ميدان خالص في سور الدار مقابل الحلبة ، وسماه باب النصر ، وجعل عليه بابا من حديد ، وبرز في يوم الجمعة خامس صفر وخرج سحرة يوم الاثنين ثامن صفر من باب النصر بالسواد وعليه البردة وبيده القضيب وعليه الطرحة والشمسة على رأسه ، وبين يديه
أبو علي بن صدقة وزيره ونقيب النقباء
أبو القاسم ، وقاضي القضاة وإقبال الخادم ، وأرباب الدولة يمشون في ركابه إلى أن وصلوا
باب الحلبة ، ثم ركب الجماعة إلى أن وصلوا إلى صحن الشماسية ، فلما قربوا من السرادق ترجلوا كلهم ومشوا بين يديه إلى السرادق ، ورحل يوم التاسع من صفر فنزل بالخالص ونزل
طغرل ودبيس براذان ، فلما عرفا خروج الخليفة عدلا عن طريق
خراسان ونزلا
برباط جلولاء ، فخرج الوزير
أبو علي بن صدقة في عسكر كثير إلى الدسكرة ، وتوجه الملك
طغرل إلى الهارونية ورحل الخليفة فنزل
الدسكرة فدبر الملك
ودبيس أن يعبرا
ديالى وتامرا ويكبسوا
بغداد ليلا ويقطعوا الجسر
بالنهروان ويحفظ
دبيس المعابر ويشتغل
طغرل بنهب
بغداد ، فعبرا
تامرا فنزل
طغرل بين
ديالي وتامرا وعبر
دبيس ديالي على أن يتبعه الملك ، فمرض الملك تلك الليلة وتوالى مجيء المطر وزاد الماء في
ديالى والخليفة نازل
بالدسكرة لا يعلم بمكر
دبيس فقصد
دبيس مشرعة النهروان في مائتي فارس جريدة ، فنزل هناك وقد
[ ص: 229 ] تعب ، وجاء المطر عليهم طول ليلتهم وليس معهم خيمة ولا زاد ولا عليف ، فوصلت جمال قد نفذت من
بغداد إلى الخليفة عليها الزاد والثياب فأخذها
دبيس ففرقها على عسكره ، فاكتسوا وشبعوا وغنموا .
وبلغ الخبر إلى
بغداد بمجيء
دبيس فانزعج الناس ودخلوا تحت السلاح ، والتجأ النساء والمشايخ إلى المساجد وأعلنوا بالدعاء والاستغاثة إلى الله تعالى ، وتأدى الخبر إلى الخليفة وأرجف في عسكره بأن
دبيسا قد دخل
بغداد وملكها ، فرحل مجدا إلى
النهروان ، فلم يشعر
دبيس إلا برايات الخليفة قد طلعت ، فلما رآها قبل الأرض في مكانه ، وقال: أنا العبد المطرود ما أن يعفى عن العبد المذنب فلم يجبه أحد ، فعاود القول والتضرع ، فرق له الخليفة ، وهم بالعفو عنه أو مصالحته فصرفه الوزير
ابن صدقة عن هذا الرأي ، وبعث الخليفة نظر الخادم إلى
بغداد بتطييب قلوب الناس ونادى في البلد بخروج العسكر بطلب
دبيس والإسراع مع الوزير
أبي علي بن صدقة ، ودخل الخليفة داره ، وكانت غيبته خمسة وعشرين يوما ، ومضى
دبيس والملك إلى
سنجر فاستجارا به هذا من أخيه ، وهذا من أخيه ، وهذا من أمير المؤمنين فأجارهما ولبسا عليه ، فقالا:
قد طردنا الخليفة ، وقال: هذه البلاد لي ، فقبض
سنجر على
دبيس واعتقله في قلعة يتقرب بذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15218المسترشد ، وخرج
سعد الدولة برنقش الزكوي في تاسع رجب إلى السلطان ، واجتمع به خاليا ، وأكثر الشكوى من الخليفة ، وحقق في نفسه أن الخليفة يطلب الملك ، وأنه خرج من داره مرتين ، وكسر من قصده وإن لم يدبر الأمر في حسم ذلك اتسع الخرق وصعب الأمر ، وسيتضح لك حقيقة ذلك إذا أردت دخول
بغداد والذي يحمله على ذلك وزيره
أبو علي بن صدقة ، وقد كاتب أمراء الأطراف وجميع
العرب والأكراد فحصل في نفس السلطان من ذلك ما دعاه إلى دخول
بغداد .
وفي هذه الأيام دخل
أبو العباس ابن الرطبي يعلم الأمراء بدار الخليفة .
[ ص: 230 ]