صفحة جزء
باب ذكر خلافة الراشد بالله

واسمه منصور ، ويكنى أبا جعفر بن المسترشد ، عهد إليه أبوه ، وقيل إنه هم بخلعه فلم يقدر ذلك ، وكان ببغداد حين قتل المسترشد بباب مراغة فكتب السلطان مسعود إلى الشحنة الذي من قبله ببغداد واسمه بكبه أن يبايع الراشد ، فجاء أصحابه كالعميد والضامن ، وجرت مراسلات ليدخل إلى الدار فاستقر أن يقوم من وراء الشباك مما يلي الشط ، وجلس الراشد في المثمنة التي بناها المقتدي في الشباك الذي يلي الشط ، وبايعه الشحنة من خارج الشباك ، وذلك يوم الاثنين سابع عشرين [من هذا الشهر بعد الظهر ، وحضر الخلق من العلماء والقضاة والشهود والجند وغيرهم وظهر للناس] ، وكان أبيض جسيما يشوبه حمرة مستحسنا ، وكان يومئذ بين يديه أولاده وإخوته ، وسكن الناس ونودي في الناس أن لا يظلم أحد أحدا ، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ومن كانت له مظلمة فليشكها إلى الديوان النبوي ، وفتح باب المخزن الذي سد ، وسكن الناس إلا أن النقض في السور واستيفاء الارتفاع من البلدان والتصرف القبيح من غير معترض .

فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشرين من ذي القعدة نادى أصحاب الشحنة أن يدعى الناس من المظالم إليهم فارتابت قلوب الناس لذلك ، وانزعجوا في ثاني ذي الحجة ، وأقيمت الدعوة والخطبة بالجوامع ، ومضى إلى كل جامع حاجب وخادم وأتراك ، وأقاموا الخطبة للراشد ، ونثرت الدنانير وجلس ابن المطلب وابن الهاروني في المخزن ينظران نيابة ، وجلس أبو الرضا بن صدقة في الديوان نيابة ، وكان حاجب الباب ابن الصاحب في الباب لم يتغير . [ ص: 301 ]

فلما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة حضر الناس ببيت النوبة ، وجلس الراشد وسلم إلى حاجب الباب إنهاء فأخذه ونهض قائما فقرأه ، وكان فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم لما أجل الله محل أنبيائه وجعله نائبا عنه في أرضه آمرا في سمائه وارتضاه خليفة على عباده وعاملا بالحق في بلاده تقدم بتصفح ما كان يجري على أيدي النواب في الأيام المسترشدية سقاها الله رحمة مستهلة السحاب وما عساه كان يتم من أفعالهم الذميمة فوقف من ذلك على سهم المطالبة بغير حق فاقتضى رأيه الشريف التقدم برفع المطالبة عنهم ، وأبرز كل ما وجد وأوعز برده على أربابه ليحظى الإمام الشهيد بزلفى ثوابه ، وليعلم الخاصة والعامة من رأي أمير المؤمنين إيثاره رضا الله سبحانه" .

وأخرج من باب الحجرة أكياس فيها حجج الناس ووثائقهم وما كتب عليهم وما أخذ منهم فأعيد على أربابه ، وشهد الشهود على كل منهم أنه قد أبرأ أمير المؤمنين مما يستحقه في ذمته ، وتقدموا إلى خازن المخزن بإخراج ما عنده من الوثائق ، فانصرف الناس يدعون لأمير المؤمنين ويترحمون على الماضي ، وكان المتولي لقراءة الكتب وتسليمها إلى أربابها كثير بن شماليق .

ثم حضر الناس يوم الخميس وجرت الحال كذلك ، وحضر يومئذ القاضي ابن كردي قاضي بعقوبا فتظلم ، وكانت له هناك وثائق وقال: ما ظلمني إلا ابن الهاروني ، وإن أمير المؤمنين لم يأخذ مني شيئا ، فكتب صاحب الخبر بذلك ، فخرج الإنهاء بعزله ، وقال الراشد: هذا القاضي قد كذب وفسق فإن المسترشد كان يأمر ابن الهاروني .

فلما كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة صلى على المسترشد في بيت النوبة ، ونودي في بغداد بالصلاة عليه ، فحضر الناس فلم يسعهم المكان ، وأم الناس الراشد ، وخرج الناس في العيد على العادة وتكاثر البكاء على المسترشد عند رؤية الأعلام والموكب . [ ص: 302 ] وفي يوم الاثنين حادي عشر ذي الحجة : قلد ابن جهير الوكالة وصاحب المخزن ، وجعل ابنه أستاذ الدار .

ووصل يوم الاثنين ابن أخت دبيس في جمع ، ودخل على الخليفة مبايعا ومعزيا ، وقعد ابن النرسي في المخزن يفرق على الناس الذهب عوضا عن مشاهراتهم من الطعام ، لأنه لم يكن في الخزائن طعام ، وفي هذه الأيام مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام خلق لا يحصون وظهر التشيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية