ثم دخلت
سنة تسع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها .
أنه
وقع حريق بالظفرية في ليلة الأربعاء ثالث المحرم فاحترقت مواضع كثيرة وما زالت النار تعمل إلى الفجر .
وفي يوم الجمعة: جلست في جامع المنصور فحزر الجمع بمائة ألف وتكلم يومئذ
محمد الطوسي في التاجية وكان فيما قال إن ابن الملجم لم يكفر بقتل علي عليه السلام فهاج الناس عليه ورموه بالآجر وخرج من المجلس والأتراك يحفظونه فلما كان في يوم مجلسه بالتاجية فرش له فاجتمع الناس في الصحراء متأهبين لرجمه وجاءوا بقوارير النفط فلم يحضر ومزق فرشه قطعا وتقدم إليه أن لا يجلس ولا يخرج من رباطه وما زال أهل البلد على حنق عليه ، ثم منع الوعاظ كلهم من الوعظ في يوم الاثنين حادي عشرين المحرم ثم بعث إلى النائب في الديوان فقال قد تقدم إلي أن أتخير ثلاثة أنت ورجل من الشافعية ورجل من الحنفية وذلك في سادس صفر فتكلمنا ثم أطلق الوعاظ واحدا بعد واحد .
ورأينا في هذه السنة الحر في تموز وآب ما لم نره في أعمارنا وكان الحاج حينئذ في سفر
الحجاز فأخبروا حين قدموا أنهم كانوا يتأذون بالبرد . وتغير الهواء
[ ص: 203 ] ببغداد بدخول أيلول فأصاب الناس نزلات وسعال فقل أن ترى أحدا إلا وبه ذلك وإنما كان العادة أن يصيب بعض الناس وهذا كان عاما .
وفي ربيع الأول:
وقعت صاعقة [في نخلة] بالجانب الغربي فاشتعلت النخلة .
وسألني أهل الحربية أن أعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الأول فانقلبت
بغداد وعبر أهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة فعبرت إلى باب البصرة فدخلتها بعد المغرب فتلقاني أهلها بالشموع الكثيرة وصحبني منها خلق عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت أهل الحربية قد أقبلوا بشموع لا يمكن إحصاؤها فأضيفت إلى شموع أهل باب البصرة فحزرت بألف شمعة فما رأيت البرية إلا مملوءة ضوءا وخرج أهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام في سوق الثلاثاء فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن من وقت الضحى فلو قيل إن الذين خرجوا يطلبون المجلس وسعوا في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلاثمائة ألف ما أبعد القائل .
وفي ربيع الأول: وقع الأمير
أبو العباس ابن الخليفة من قبة عالية إلى أرض التاج وأوجب ذلك وهنا في البدن وسلمه الله سبحانه .
وفي هذا الشهر: ختن الوزير
ابن رئيس الرؤساء أولاده وعمل الدعوة العظيمة وأنفذ إلى أشياء كثيرة وقال هذا نصيبك لأني علمت أنك لا تحضر في مكان يغنى فيه .
وفي ربيع الآخر: جرت مشاجرة بين
الطوسي وبين نقيب النقباء فقال
الطوسي أنا نائب النقابة وأنا نائب الله في أرضه فاستخف به النقيب وقال إنما نائب الله في أرضه الإمام صلوات الله عليه فرفع ذلك فأمر بإخراجه من البلد فأخرج يوم الخميس رابع عشرين ربيع الآخر فسئل فيه فأقام بالجانب الغربي مديدة ثم سئل فيه فدخل الحريم ثم سئل فيه فأعيد إلى المجلس وكان المتعصب له ريحان الخادم .
[ ص: 204 ]
وفي جمادى الآخرة: اعتقل الفقيه في الديوان أياما وكان قد سعي به أنه يرى رأي الدهرية ولا يصلي ولا يصوم وتعصب له قوم فتركوه فأخرج .
وفي رجب: وصل
ابن الهروي رسولا من نور الدين بتحف كثيرة وفيها ثياب من ثياب المصريين وحمار كأن جلده الثوب العتابي .
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرين رجب: عزل
ابن الشاشي من التدريس بالنظامية وولي مكانه
أبو الخير القزويني .
وورد
بغداد في شعبان هذه السنة بأن ابن أخي
nindex.php?page=showalam&ids=16120شملة التركماني ويعرف
بابن سنكا قد استحدث قلعة في ولاية باذرايا بقرب من قلعة الماهكي ليتخذها ذريعة إلى الإغارة على البلاد ونقل إليها فبعث السلطان إليه الجيوش فالتقوا فحمل بنفسه عليهم فطحن الميمنة فتقدم
قيماز العميدي إلى الأمراء فحثهم على خوض الماء إليه وكان قد فتح البثوق يحتج بها فخاض
قيماز ومعه جماعة قوائم ثم اقتتلوا وأسر
ابن سنكا ثم قتل وجيء برأسه فعلق بباب النوبي وهدمت القلعة ثم جاء رسول
شملة ومعه حمل يبذل الطاعة ويعتذر مما جرى فلم يلتفت إليه .
وفي غرة رمضان:
زادت دجلة زيادة كثيرة ثم تفاقم الأمر في سابع رمضان وجاء مطر كثير في ليلة الجمعة ثامن رمضان ووقع في قرى حول الحظيرة وفي الحظيرة برد ما رأوا مثله فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وجملة من المواشي وحدثني بعض الثقات أنهم وزنوا بردة فكان فيها سبعة أرطال قال وكانت عامته كالنارنج يكسر الأغصان وساخت الدور ثم زاد الماء في يوم الأحد عاشر رمضان فزاد على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بذراع وكسر وخرج الناس وضربوا الخيم على تلال الصحراء ونقلوا رحالهم إلى دار الخليفة ومنهم من عبر وتقدم بالعوام يخرجوا بالوعاظ إلى القورج ليعملوا فيه
[ ص: 205 ] فخرجنا وقد انفتح موضع فوق القورج بقرية يقال لها الزور تقية وجاء الماء من قبله فتداركه الناس فسدوه وبات عليهم الجند وتولى العمل الأمير قيماز بنفسه وحده ثم انفتح يومئذ [بعد العصر] فتحة من جانب دار السلطان وساح الماء فملأ الجواد ثم سد بعد جهد وبات الناس على اليأس يضجون بالبكاء والدعاء ثم نقص الماء نحو ذراعين فسكن الناس وغلا السعر في تلك الأيام فبيع الشوك كل باقة بحبة والخبز الخشكار كل خمسة أرطال بقيراط ودخل نزيز الماء من الحيطان فملأ النظامية والتتشية ومدرسة أبي النجيب وقيصر وجميع الشاطئات ثم وصل النزيز إلى رباط أبي سعد الصوفي فهدمت فيه مواضع وإلى درب السلسلة ومن هذه المواضع ما وقع جميعه ومنه ما تضعضع وكثر نزيز الماء في دار الخلافة وامتلأت السراديب فكان الخليفة يخرج من باب الفردوس إلى ناحية الديوان فيمضي إلى الجامع ، ونبع الماء من البدرية فهلكت كلها وغلقت أبوابها ونبع في دار البساسيري ودرب الشعير من البلاليع وانهدمت دور كثيرة حتى أنه نفذ إلى المواضع البعيدة فوقعت آدر في المأمونية وصعد الماء إلى الحريم الطاهري بالجانب الغربي فوقعت دوره ودخل الماء إلى المارستان وعلا فيه ورمى عدة شبابيك من شبابيكه الحديد ، فكانت السفن تدخل من الشبابيك إلى أرض المارستان ولم يبق فيه من يقوم بمصلحته إلا المشرف على الحوائج . فحكي أنه جمع أقطاعا من الساج فشهدها كالطوق وترك عليها ما يحتاج من الطعام والشراب حتى الزيت والمقدحة ورقي المرضى إلى السطح وبعث بالمرورين إلى سقاية الراضي بجامع المنصور .
وامتلأت مقبرة
أحمد كلها ولم يسلم منها إلا موضع قبر بشر الحافي لأنه على نشز وكان من يرى مقبرة أحمد بعد أيام يدهش كأن القبور قد قلبت وجمع الماء عليها كالتل
[ ص: 206 ] العظيم من العظام وكالتل من ألواح القبور ، وأسكرت الحربية والمشهد ، ووقع أكثر سور المشهد ، ونبع الماء من داخله فرمى الدور والترب ووقعت آدر بالحربية من النزيز وامتلأ الماء من دجلة إلى سور دار القز وكان الناس ينزلون في السفن من شارع دار الرقيق ومن الحربية ومن درب الشعير وامتلأت مقبرة باب الشام ووقع المشهد الذي على باب النصرية ووصل الماء من الصراة إلى باب الكرخ وكان الناس قد وطئوا التلال العالية وهلكت قرى [كثيرة] ومزارع لا تحصى .
وخرجت يوم الجمعة خامس عشرين رمضان إلى [خارج] السور فإذا قد نصب لخطيب جامع السلطان منبر في سوق الدواب يصلى بالناس هناك لامتلاء جامع السلطان بالماء .
وجاء يوم الخميس حادي عشرين رمضان بعد الظهر
برد كبار ودام زمانا كسر أشياء كثيرة وتوالت الأمطار في رمضان والرعود والبروق .
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين رمضان: جعل مسجد
التوثة جامعا وأذن في صلاة الجمعة فيه فأقيمت فيه الجمعة يومئذ ثم عاد الماء في يوم السبت ثالث عشرين رمضان إلى الزيادة الأولى على غفلة ثم زاد عليها وجاء [يومئذ]
مطر عظيم وانفتح القورج والفتحة التي في أصل دار السلطان وغلب الماء فامتلأت الصحراء وضرب إلى باب السور وضربوا الخيم على التلال العالية كتل الزبابية وتل الجعفرية وتعد الناس ينتظرون دخول الماء إلى البلد وعم الماء السبتي والخيزرانية وعسكر أهل أبي حنيفة فجاءهم الماء من خلف القرية وجامع المهدي فوقعت فيه أذرع ونبع الماء من دار الخليفة من
[ ص: 207 ] مواضع وهدم فيها دور كثيرة وملأ السراديب وانتقل جماعة من الخدم إلى دور في الحريم وامتلأت الصحاري وعبر خلق كثير إلى الكرخ وتقطر السور وانفتحت فيه فتحات وكان الناس يعالجون الفتحة فإذا سدوها انفتحت أخرى وكثر الضجيج والدعاء والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى وغلا الخبز وفقد الشوك وأخذ أصحاب السلطان يقاوون القورج ويجتهدون في سده وأقاموا القنا وفي أسافله الحديد في الماء ونقلوا حطبا زائدا عن الحد والماء يغلبهم على جميع ذلك إلى أن سده سكار حاذق في سابع شوال . وأسكر جانب السور لئلا يتمقطر وأقام الماء خلف السور نحوا من شهر ونصب على الخندق الذي خلف السور جسر يعبر الناس عليه من القرى إلى بغداد .
وجاءت في هذه الأيام أكلاك من الموصل فتاهت في الماء حتى بيع ما عليها ببعقوبا بثمن طفيف وأخبر أهلها بما تهدم من المنازل بالأمطار في الموصل وقالوا اتصلت عندنا الأمطار أربعة أشهر فهدمت نحو ألفي دار وكانوا يهدمون الدار إذا خيف وقوعها فهدموا أكثر مما هدم المطر وكانت الدار تقع على ساكنيها فيهلك الكل ثم زادت الفرات زيادة كثيرة وفاضت على سكر عندها يقال له سكر قنين وجاء الماء فأهلك من القرى والمزارع الكثير ثم جاء إلى الجانب الغربي من نهر عيسى والصراة وأسكر أهل دار القز وأهل العتابيين وباب البصرة والكرخ وباتوا مدة على التلال يحفظون المحال وقد انبسط الماء فراسخ ومر خلف المحال فقلب في الخندق والصراة ونهر عيسى ورمى قطعة من قنطرة باب البصرة .
ومن العجائب أن هذا الماء على هذه الصفة ودجيل قد هلكت مزارعه بالعطش ووقع الموتان في الغنم وكان ما يؤتى به سليما يكون مطعونا حتى بيع الحمل بقيراط ومرض الناس من أكلها ثم غلت الفواكه فبيع كل من من التفاح بنصف دانق وكذلك الكمثرى والخوخ حتى غلا الطين الذي يؤخذ من المقالع وبلغ الآجر كل ألف بثلاثة دنانير ونصف .
[ ص: 208 ] وتوفي في هذه السنة محمود بن زنكي فتجدد بعد موته اختلاف
بحلب بين السنة والشيعة فقتل من الطائفتين خلق ونهب ظاهر البلد فذهب خمسة آلاف خركاه وبيت من التركمان .