وأما قصي
فله ثلاثة أسماء:
زيد ، وقصي ، ومجمعا .
وفيه يقول الشاعر:
همام له أسماء صدق ثلاثة قصي وزيد ذو الندى ومجمع
فأما اسمه الأصلي
فزيد ، وإنما قيل له: قصي لأن أباه
كلاب بن مرة ، وكان [قد] تزوج
أم قصي: فاطمة بنت سعد ، فولدت
لكلاب: زهرة وزيدا ، فهلك
كلاب وزيد صغير ، وقد شب
زهرة وكبر فقدم
ربيعة بن حران بن ضنة فتزوج
فاطمة أم
زهرة وقصي ، وزهرة رجل قد بلغ ،
وقصي فطيم أو قريب من ذلك فاحتملها إلى بلاده من أرض
بني عذرة من أشراف
الشام ، فاحتملت معها
قصيا لصغره ، وتخلف
زهرة في قومه فلم يبرح من
مكة ، فسمي زيد: قصيا لبعد داره عن دار قومه ، فبينا قصي بأرض قضاعة لا ينتمي إلا إلى
ربيعة بن حرام وقع بينه وبين رجل [من قضاعة] شيء . فقال له ألا تلحق بقومك ، فإنك لست منا! فرجع قصي إلى أمه فسألها عما قال له ذلك [الرجل] . فقالت [له] : أنت والله أكرم منه نفسا ووالدا ، أنت ابن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وقومك
بمكة عند
البيت الحرام وحوله . فأجمع قصي الخروج إلى قومه واللحوق بهم ، وكره الغربة ، فقالت له أمه: لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب ، فإني أخشى عليك أن يصيبك بعض البأس ، فأقام حتى دخل الشهر الحرام ، فخرج في حاج [العرب من] قضاعة ، فقدم
[ ص: 220 ] مكة فلما فرغ من الحج أقام بها ، فخطب إلى
حليل بن حبشية الخزاعي ابنته
حبى ، فزوجه وكان
حليل يلي أمر
مكة ، فولدت له:
عبد الدار ، وعبد مناف ، وعبد العزى ، وعبد قصي ، فلما انتشر ولده ، وكثر ماله ، وعظم شرفه هلك
حليل [بن حبشية] فرأى
قصي أنه أولى
بالكعبة وأمر
مكة من
خزاعة وبني بكر ، وأن قريشا صريح ولد
إسماعيل بن إبراهيم ، فكلم رجالا من قريش
وبني كنانة ودعاهم إلى إخراج
خزاعة وبني بكر من
مكة ، فلما قبلوا منه دعاهم إليه وبايعوه على ذلك ، كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة - وهو ببلاد قومه - يدعوه إلى نصرته والقيام معه ، فقام رزاح في قضاعة ، فدعاهم إلى نصر أخيه فأجابوه .
وبعض الرواة يقول: إن حليلا لما ثقل [جعل] ولاية البيت إلى ابنته
حبى فقالت: إني لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه . قال: فإني أجعل الفتح والإغلاق إلى رجل . فجعله إلى
أبي غبشان - وهو سليم بن عمرو - فاشترى
قصي ولاية البيت منه بزق خمر وبعود .
وقيل: بل بزق وكبش . فقال الناس: أخسر من صفقة
أبي غبشان فذهبت مثلا ، قال الشاعر:
أبو غبشان أظلم من قصي وأظلم من بني فهر خزاعة
فلا تلحوا قصيا في شراة ولوموا شيخكم إن كان باعه
ثم إن قصيا قاتل خزاعة فجلت عن
مكة ، فولي قصي
البيت وأمر
مكة والحكم
[ ص: 221 ] بها ، وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح
مكة ، وكان بعضهم في الشعاب ورءوس جبال
مكة فقسم منازلهم بينهم ، فسمي مجمعا وملكه قومه عليهم ، وفيه قيل:
وزيد أبوكم كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر
وبعضهم يقول: إن
حليل بن حبشية أوصى قصيا حين انتشر له من ابنته الأولاد وقال: أنت أولى
بالكعبة وبأمر
مكة من خزاعة . فلذلك كان طلب قصي ما طلب .
وكانت صوفة تدفع بالناس من
عرفة ، وإذا أرادوا النفر من
منى أخذت صوفة بناحيتي العقبة ، فحبسوا الناس ، وقالوا: أجيزي صوفة . فلم يجز أحد من الناس حتى ينفذوا ، فإذا مضت صوفة خلي سبيل الناس بعدهم ، والعرب قد عرفت هذا لصوفة من عهد
جرهم وخزاعة .
فلما كان العام أتى قصي بمن معه من قريش
وكنانة وقضاعة عند
العقبة وقالوا:
نحن أولى بهذا منكم . فباكرهم فقاتلوه واقتتل الناس ، وانهزمت صوفة ، وغلبهم
قصي على ذلك .
وانحازت
خزاعة وبنو بكر عن
قصي ، وعرفوا أنه سيمنعهم مثل ما منع صوفة ، وأنه سيحول بينهم وبين
الكعبة ، وأمر
مكة ، فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم (فالتقوا] فاقتتلوا حتى كثرت القتلى في الفريقين ، ثم إنهم تداعوا للصلح ، فحكموا
عمرو بن عوف الكناني ، فقضى بأن
قصيا أولى
بالكعبة وأمر
مكة من
خزاعة ، وأن كل دم أصابه
قصي من
خزاعة وبني بكر موضوع ، وما أصابته
خزاعة وبنو بكر من قريش
وبني كنانة وقضاعة ففيه الدية [فولي قصي البيت وأمر
مكة ، وجمع قومه من منازلهم إلى
[ ص: 222 ] مكة ] وتملك على قومه
وأهل مكة ، فملكوه ، فكان قصي أول ولد
كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة [واللواء] . فحاز شرف
مكة كله ، وقطع
مكة أرباعا بين قومه ، فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من
مكة التي أصبحوا عليها .
ويزعم الناس أن قريشا هابت قطع شجر الحرم في منازلهم ، فقطعها قصي بيده ، وما كانت تنكح امرأة ولا رجل من قريش إلا في دار قصي ، ولا يتشاورون في أمر نزل بهم إلا من داره ، ولا يعقدون لواء لحرب قوم إلا في داره ، يعقدها لهم بعض ولده ، وكان أمره في قومه من قريش في حياته وبعد موته كالدين المتبع ، لا يعمل بغيره تيمنا بأمره ، ومعرفة بفضله وشرفه ، واتخذ قصي لنفسه دار الندوة ، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضي أمورها .
وسميت دار الندوة لأنهم كانوا ينتدون فيها ، أي: يجتمعون للخير والشر ، والندى: مجمع القوم .
فأقام قصي على شرفه لا ينازع في شيء من أمر
مكة ، إلا أنه قد أقر للعرب في شأن حجهم ما كانوا عليه ، وللنسأة من
بني مالك بن كنانة ، إلى أن جاء الإسلام ، وهو
أول من أوقد النار بالمزدلفة ، حيث وقف بها حتى يراها من دفع
عرفة ، فلم تزل توقد في تلك الليلة في الجاهلية ، ولم تزل توقد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : وهي توقد إلى اليوم .
قالوا: فلما جمع قريشا إلى الحرم سميت حينئذ لجمعه إياهم وكان يقال لهم قبل ذلك
بنو النضر . [ ص: 223 ]
أنبأنا
أبو عبد الله البارع قال: أخبرنا
ابن المسلمة قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15183المخلص قال:
أخبرنا
أحمد بن سلمان الطوسي قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14413الزبير بن بكار قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12366إبراهيم بن المنذر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12503ابن أبي سبرة ، عن
عبد المجيد بن سهيل بن عوف بن الحارث:
أن قريشا شكوا إلى
قصي كثرة الشجر ، وأنهم لا [يستطيعون] أن يبنوا منه ، واستأذنوه في قطعه ، فنهاهم وقال: قد رأيتم من استخف بأمر
الحرم كيف صار أمره .
فكانوا يبنون دورهم والشجر فيها ، وكذلك كانوا يحرمون
الصيد في الحرم .
قال مؤلف الكتاب: وقد ذكرنا أنه قطع الشجر بيده .