ومن الحوادث:
هلاك حاتم الطائي
وهو:
حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس ، وأمه:
غنية بنت عفيف ، من طيئ ، ويكنى: أبا سفانة ، وهي ابنته ، وأبا عدي .
وسفانة هي التي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هلك الوالد ومات الوافد .
وكان شاعرا جوادا ، إذا سئل أعطى ووهب ، وإذا غنم أنهب ، ومر في سفر له على عيرة وفيهم أسير ، فاستغاث به وما حضره فكاكه . فقال: أسأت إلي حين فوهت باسمي ، وما أنا ببلاد قومي ، وليس عندي ما أفديك به . ثم اشتراه وخلاه ، وأقام مكانه في القيد حتى أتي بفدائه .
[ ص: 286 ]
وقسم ماله بضع عشرة مرة ، وكان له قدور عظام بفنائه على الأثافي لا تزل ، فإذا أهل رجب نحر كل يوم ، وأطعم ، فكان أبوه جعله في إبل له وهو غلام ، فمر به
عبيدة بن الأبرص وبشر بن أبي حازم والنابغة الذبياني يريدون النعمان ، فقالوا: هل من قرى؟
فقال: تسألون عن القراء وأنتم ترون الإبل والعنز فنحر لكل رجل منهم بعيرا ولم يعرفهم ، ثم سألهم عن أسمائهم فتسموا له ، ففرق الإبل فيهم والغنم ، وبلغ ذلك أباه فجاءه فقال: ما فعلت الإبل؟ قال: يا أبه طوقتك مجد الدهر طوق الحمامة .
وحدثه بما صنع . قال: إذن لا أساكنك . قال إذن لا أبالي ، فاعتزله .
وقال
حاتم يذكر قول أبيه فيه :
وإني لعف الصبر مشترك الغنى تروك لشكل لا يوافقه شكلي ولي نيقة في البذل والجود لم يكن
تأنقها فيمن مضى أحد قبلي وما ضرني أن سار سعد بأهله
وخلفني في الدار ليس معي أهلي فما من كريم غاله الدهر مرة
فيذكرها إلا تردد في البذل وما من بخيل غاله الدهر مرة
فيذكرها إلا تردد في البخل
أخبرنا
عبد الله بن علي المقري ، والحسن بن أحمد بن محبوب قالا: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16249طراد بن محمد قال: أخبرنا
أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا
أحمد بن محمد بن جعفر الحودي قال: أخبرنا
أبو بكر القرشي قال: حدثني
عمر بن بكير ، عن
أبي عبد الرحمن الطائي ، عن
ملحان بن عركر بن حلبس الطائي ، عن أبيه ، عن جده - وكان أخا
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم لأمه - قال:
[ ص: 287 ]
قيل
لنوار امرأة حاتم: حدثينا عن
حاتم .
قالت: كل أمره كان عجبا أصابتنا سنة خصت كل شيء . قال: فاقشعرت لها الأرض ، واغبرت لها السماء ، وضنت المراضع على أولادها ، وراحت الإبل ما تبض بقطرة ، وأنا لفي ليلة صنبرة بعيدة ما بين الطرفين ، إذ تضاغى الصبية من الجوع:
عبد الله ، وعدي ، وسفانة ، فو الله إن وجدنا شيئا نعللهم به فقام إلى أحد الصبيين فحمله ، فقمت إلى الصبية فعللتها ، فو الله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل ، ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت ، وما كاد ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل فأضجعنا الصبيان عليها ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بيننا ، ثم أقبل علي يعللني لأنام وعرفت ما يريد ، فتناومت . فقال: ما لك ، أنمت ؟ فسكت . فقال:
ما أراها إلا قد نامت وما بي من نوم ، فلما ادلهم الليل ، وتهورت النجوم ، وهدأت الأصوات ، وسكنت الرجل إذا جانب البيت قد رفع ، فقال: من هذا؟ فولى حتى إذا قلت قد أسحرنا أو كدنا عاد فقال: من هذا . قالت: جارتك فلانة يا أبا عدي ما وجدت على أحد معولا غيرك ، أتيتك من عند صبية يعوون عواء الذئب من الجوع .
قال: أعجليهم [علي] قالت:
النوار ، فوثبت فقلت: ماذا صنعت ، فو الله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم به ، فكيف بهذه وبولدها؟! فقال: اسكتي ، والله
[ ص: 288 ] لأشبعنك وإياهم إن شاء الله قالت: فأقبلت تحمل اثنين وتمشي جنبتيها أربعة ، كأنها نعامة حولها رئالها . قالت: فقام إلى فرسه فوجأها بحربته في لبته ، ثم قدح زنده وأورى ناره ، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده ، ثم دفع المدية إلى المرأة ثم قال: دونك ، ثم قال: ابعثي صبيانك . فبعثتهم ، ثم قال: سوءة ، أتأكلون شيئا دون أهل الصرم ، فجعل يطيف بهم حتى هبوا ، فأقبلوا عليه [فقسمه فيهم وأعطانيه] والتفع في ثوبه ، ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا [لا والله ما ذاق منه مزعة ، ولأنه أحوج إليه منهم] ، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم أو حافر .
قال
أبو عبد الرحمن الصرم الأبيات العشر أو ونحوها ينزلون في جانب .