ذكر الحوادث سنة خمس وثلاثين من مولده صلى الله عليه وسلم
في هذه السنة:
هدمت قريش الكعبة . [ ص: 321 ]
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : كانت
الكعبة رضما فوق القامة ، فأرادت
قريش رفعها وتسقيفها ، وكان نفر من
قريش وغيرهم قد سرقوا كنز
الكعبة ، وكان يكون في [بئر في جوف الكعبة] فهدموها لذلك ، وذلك في سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى
هشام بن محمد عن أبيه قال: كان
إبراهيم وابنه
إسماعيل يليان البيت ، وبعد
إسماعيل ابنه نبت ، ثم مات نبت ولم يكثر ولد
إسماعيل فغلبت
جرهم على ولاية البيت ، فقال
عمرو بن الحارث بن مضاض من ذلك :
وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
وكان أول من ولي البيت من
جرهم مضاض ، ثم وليه بعده بنوه كابرا عن كابر ، حتى بغت جرهم
بمكة واستحلوا حرمتها ، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها ، وظلموا من دخل
مكة ، ثم لم يتناهوا حتى جعل الرجل [منهم] إذا لم يجد مكانا يزني فيه دخل
الكعبة فزنى .
فزعموا أن
إسافا بغى بنائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين ، وكانت
مكة في الجاهلية لا ظلم فيها ولا بغي ، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه ، فكانت تسمى: الباسة ، وتسمى: بكة ، كانت تبك أعناق الجبابرة الذين يبغون فيها ، ولما
[ ص: 322 ] لم تنته جرهم عن بغيها ، وتفرق أولاد
عمرو بن عامر عن
اليمن ، فانخزع
بنو حارثة بن عمرو قاطنو تهامة ، فسميت
خزاعة ، لأنهم انخزعوا ، وبعث الله عز وجل على جرهم الرعاف والنمل ، فأفناهم ، فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقي ، ورئيسهم يومئذ
عمرو بن ربيعة بن حارثة ، وأمه
فهيرة بنت عامر بن الحارث [بن مضاض] ، فاقتتلوا ، فلما أحس عامر بالهزيمة خرج بغزالي الكعبة وحجر الركن ، وجعل يلتمس التوبة ، فلم تقبل توبته ، فألقى غزالي الكعبة وحجر الركن في زمزم ، وخرج من بقي من
جرهم إلى أرض
الحبشة . فجاءهم سيل فذهب بهم .
وولي البيت
عمرو بن ربيعة .
وقيل: بل وليه
عمرو بن الحارث الغساني .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث في ذلك:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العواثر
وقال
عمرو أيضا:
يا أيها الناس سيروا إن قصركم أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
[حثوا المطي وأرخوا من أزمتها قبل الممات وقضوا ما تقضونا]
كنا أناسا كما كنتم فغيرنا دهر فأنتم كما كنا تكونونا
.
وكان يقول: اعملوا لآخرتكم ، وأفرغوا من حوائجكم في الدنيا .
فوليت
خزاعة البيت ، غير أنه كان في قبائل
مضر ثلاث خلال: الإجارة بالحج
[ ص: 323 ] للناس من
عرفة ، وكان ذلك إلى الغوث بن مر ، وهو صوفة ، فكانت إذا كانت الإجارة قالت العرب: أجيري صوفة .
والثانية: الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى ، فكان ذلك إلى
بني زيد بن غزوان ، فكان آخر من ولي ذلك منهم
أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحارث بن وابش بن زيد .
والثالثة: النسيء للشهور الحرم ، وكان ذلك إلى القلمس ، وهو
حذيفة بن فقيم بن عدي من بني مالك بن كنانة ، ثم في بيته حتى صار ذلك إلى جرهم
أبي ثمامة ، وهو جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن حذيفة فقام عليه الإسلام [فلما] كثرت معه تفرقت .
وأما قريش: فلم يفارقوا
مكة ، فلما حفر
عبد المطلب زمزم وجد غزالي الكعبة اللذين كانت
جرهم دفنتهما فيه ، فاستخرجهما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : وكان الذي وجد عنده كنز الكعبة
دويك مولى لبني ملج من
خزاعة ، فقطعت قريش يده ، وكان البحر قد رمى سفينة إلى
جدة ، فتحطمت ، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها ، وكان
بمكة رجل قبطي نجار ، وكانت حية تخرج من بئر
الكعبة التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم ، فتتشرق على جدار
الكعبة ، وكانوا يهابونها ، ذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها ، فبينا هي يوما تتشرق على جدار الكعبة ، بعث الله عليها طائرا فاختطفها ، فذهب بها ، فقالت قريش:
إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا عندنا عامل رفيق ، وعندنا خشب ، وقد كفانا الله الحية .
[ ص: 324 ]
وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامئذ ابن خمس وثلاثين سنة ، فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها ، قام
أبو وهب بن عمرو بن عمير بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه ، فقال: يا [معشر] قريش ، لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ، ولا تدخلوا فيها [مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا] مظلمة أحد من الناس . قال: والناس يبخلون هذا الكلام
للوليد بن المغيرة ، وأبي وهب خال [أبي] رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه . فقال
الوليد بن المغيرة: أنا أبدأ في هدمها فأخذ المعول ، ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لا ترع اللهم لا نريد إلا الخير ، ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس به تلك الليلة ، وقالوا: ننظر ، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ، ورددناها كما كانت ، وإن لم يصبه شيء ، فقد رضي الله عز وجل ما صنعناه . فأصبح الوليد غاديا على عمله ، فهدم والناس معه ، وتحرك حجر فانتقضت
مكة بأسرها وما زالوا حتى انتهى الهدم إلى الأساس ، فأفضوا إلى حجارة خضر كأنها أسنمة ثم بنوا ، حتى إذا بلغ البنيان موضع الركن اختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه ، حتى تواعدوا للقتال ، وقربت
بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، وأدخلوا أيديهم في الدم ، وتعاقدوا على الموت ، فسموا لعقة الدم ، فمكثوا أربع ليال أو خمس ليال كذلك ، ثم تشاوروا وكان
أبو أمية بن المغيرة أمير قريش [حينئذ] فقال: اجعلوا بينكم أول من يدخل من
[ ص: 325 ] باب هذا المسجد ، فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين ، قد رضينا به ، هذا
محمد ، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال: "هلم إلي ثوبا . فأتي به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ، ثم قال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم قال:
"ارفعوه جميعا" حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ، ثم بنى عليه
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل الوحي: الأمين . أخبرنا
أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا
أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا عمر بن حيويه قال: أخبرنا
أحمد بن معروف قال: أخبرنا
الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا
محمد بن سعد . قال: أخبرنا
محمد بن عمر بن واقد قال: حدثني
عبد الله بن يزيد الهذلي ، عن أبيه ،
وعبد الله بن يزيد الهذلي ، عن
أبي غطفان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال:
وحدثني
محمد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
محمد بن جبير بن مطعم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: كانت الجرف مطلة على
مكة ، وكان السيل يدخل من أعلاها حتى يدخل البيت ، فانصدع فخافوا أن ينهدم ، وسرق منه حليه وغزال من ذهب كان عليه در وجوهر ، وكان موضوعا بالأرض ، فأقبلت سفينة في البحر فيها روم ، ورأسهم باقوم ، وكان بانيا فجنحتها الريح إلى الشعيبة ، وكانت مرسى السفن قبل
جدة فتحطمت السفينة ، فخرج
الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها وكلموا الرومي باقوم ، فقدم معهم ، وقالوا: لو بنينا بيت ربنا . فأمروا بالحجارة تجمع ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم - وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين
[ ص: 326 ] سنة - وكانوا يضعون أزرهم على عواتقهم ، ويحملون الحجارة ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبط به ونودي: عورتك فكان ذلك أول ما نودي . فقال أبو طالب: يا ابن أخي ، اجعل إزارك على رأسك ، قال: ما أصابني ما أصابني إلا في تعدي ، فما رئيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عورة بعد ذلك ، فلما أجمعوا على هدمها قال بعضهم: لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا ما لم تقطعوا فيه رحما ، ولم تظلموا فيه أحدا ، فبدأ
الوليد بن المغيرة بهدمها ، فأخذ المعول ، ثم قام عليها يطرح الحجارة وهو يقول: اللهم اللهم لا ترع إنما نريد الخير ، فهدم وهدمت معه قريش ، ثم أخذوا في بنائها وميزوا البيت واقترعوا عليه ، فوقع لعبد مناف وزهرة ما بين الركن الأسود إلى ركن الحجر وجه البيت ، ووقع
لبني أسد بن عبد العزى وبني عبد الدار ما بين ركن الحجر إلى [ركن الحجر الآخر ، ووقع
لتيم ومخزوم ما بين ركن الحجر إلى الركن] الركن اليماني . ووقع
لسهم وجمح وعدي وعامر بن لؤي ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود فبنوا ، ولما انتهوا إلى حيث يوضع الركن من البيت . قالت كل قبيلة: نحن أحق بوضعه ، فاختلفوا حتى خافوا القتال ، ثم جعلوا بينهم أول من يدخل من باب بني شيبة ، فيكون هو الذي يضعه قالوا:
رضينا وسلمنا . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من دخل من باب بني شيبة ، فلما رأوه قالوا:
هذا هو الأمين قد رضينا بما قضى [بيننا] ، ثم أخبروه ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه وبسطه في الأرض ، ثم وضع الركن فيه ، ثم قال: ليأت من كل ربع من أرباع قريش رجل ، وكان في ربع
عبد مناف عتبة بن ربيعة ، وكان في الربع الثاني:
أبو زمعة ، وكان من الربع الثالث:
أبو حذيفة [بن المغيرة] ، وكان في الربع الرابع:
قيس بن [ ص: 327 ] عدي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأخذ كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب ، ثم ارفعوه جميعا" . فرفعوه ، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في موضعه ذلك ، فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلى الله عليه وسلم حجرا يشد به الركن فقال
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب: لا ، وناول
العباس حجرا فشد به الركن فغضب النجدي حين نحي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس يبني معنا في البيت إلا منا ، ثم بنوا حتى انتهوا إلى موضع السقف وسقفوا البيت وبنوه على ستة أعمدة وأخرجوا الحجر من البيت . قال
محمد بن عمر: وأخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
الوليد بن عطاء عن
الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن قومك استقصروا من بنيان الكعبة ، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت فيه ما تركوا منه فإن بدا لقومك [من] بعدي أن يبنوه فهلمي أريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبع أذرع في الحجر . قالت: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيا وغربيا أتدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ فقلت: لا أدري ، [فقال:] "تعززا ألا يدخلها إلا من أرادوا ، وكان الرجل إذا كرهوا أن يدخل تركوه حتى إذا كاد يدخل دفعوه حتى يسقط .
أخبرنا
إسماعيل بن أحمد قال: أخبرنا
أبو منصور بن عبد العزيز العكبري قال:
أخبرنا
أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا
عمر بن الحسين الشيباني قال: أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12455أبو بكر بن أبي الدنيا قال: أخبرني
محمد بن صالح القرشي قال: حدثنا
محمد بن عمر قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12503ابن أبي سبرة ، عن
أبي جعفر محمد بن علي قال:
[ ص: 328 ] بنيت الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة .