فصل
قال مؤلف الكتاب : فلما استقر قرار
المهاجرين إلى الحبشة اجتهد المشركون
[ ص: 381 ] في كيدهم ،
فبعثوا nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة إلى nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي بهدايا ليسلمهم إليهم .
أخبرنا
هبة الله بن محمد بن الحصين قال: أخبرنا
محمد بن الحسن بن علي قال: أخبرنا
أبو بكر بن مالك قال: حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال:
أخبرني
يعقوب قال: حدثنا أبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق قال: حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب ، عن
أبي بكر بن عبد الرحمن عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة قالت:
لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا له هدايا مما يستطرف من متاع
مكة وأمروهم أمرهم وكان أعجب ما يأتيهم منها الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ، ثم بعثوا بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، وأمروهم أمرهم ، وقالوا لهما:
ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ، ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم ، فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا لهم: إنه قد صبأ إلى بلاد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردوهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه تسليمهم إلينا ولا نكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا . فقالوا: نعم . ثم قربا هداياهم إلى النجاشي ، فقبلها منهم ، ثم تكلما ، فقالا له: إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لنردهم إليهم ، فهم أعلى بهم
[ ص: 382 ] وأعلم بما عابوا عليهم . فقال بطارقته: صدقوا فأسلمهم إليهما . فغضب النجاشي وقال: لا وايم الله ، إذن لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان سلمتهم إليهما ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهم وأحسنت جوارهم ما جاوروني .
ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [فدعاهم] فلما أن جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ فقالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن في ذلك ما هو كائن ، فلما جاءوه وقد
دعى النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم ، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين آخر من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي كلمه
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب . فقال له:
أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، يأكل القوي منا الضعيف ، وكنا على ذلك حتى بعث الله تعالى إلينا رسولا منا نعرف صدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباءنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن: الفواحش ، وقول الزور وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا: أن نعبد الله لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاءنا به فعبدنا الله عز وجل وحده ، فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم الله علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان ، وأن يستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك . قالت: فقال لهم النجاشي: هل معك مما جاء
[ ص: 383 ]
به عن الله عز وجل؟ فقال له جعفر: نعم: قال: فاقرأه علي فقرأ عليه صدرا من
كهيعص فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم . ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به
موسى ، ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا فو الله لا أسلمكم إليهما أبدا . قالت: فلما خرجنا من عنده ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص: والله لآتينه غدا أعيبهم عنده بما أستأصل به خضراءهم . فقال له
عبد الله بن أبي ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل ، فإن لهم أرحاما . قال: فو الله لأخبرنه أنهم يزعمون أن
عيسى بن مريم عبد ، قالت: ثم غدا عليه الغد ، فقال له: أيها الملك ، إنهم يقولون في
عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم ، فاسألهم عما يقولون فيه .
قالت: فأرسل إليهم ، فسألهم عنه؟ قالت: ولم يزل بنا مثلها ، فاجتمع القوم ، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله عز وجل ، وما جاء به نبينا ، كائن في ذلك ما هو كائن ، فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في
عيسى بن مريم؟ قال له
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم: "هو عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى
مريم العذراء البتول" قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض ، فأخذ منها عودا ثم قال: ما عدا
عيسى بن مريم ما قلت هذا العود . ثم قال: اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم الآمنون - من سلم عزم ، من سلم [عزم ، من سلم عزم ، ما أحب أن أدير ذهبا وأني آذيت منكم رجلا . والدير بلسان الحبشة: الحبل] ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لنا بها ، فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه .
قالت: فخرجا من عنده مقبوحين ، مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار وخير جار .
قالت: فو الله إنا على ذلك فأنزل به من ينازعه في ملكه .
قالت: فو الله ما علمنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك الملك على النجاشي [فلا يعرف من حقنا ما كان يعرفه] .
[ ص: 384 ]
قال: فسار
nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي وبينهما عرض النيل ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[هل] من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ .
قالت: فقال
الزبير: أنا . قالت: وكان من أحدث القوم سنا . قالت: فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم .
قالت:
ودعونا الله عز وجل nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده ، فاستوثق له أمر
الحبشة . فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
بمكة .