ذكر
أخبار الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة
أما
الأسود فاسمه عبهلة بن كعب ، يقال له:
"ذو الخمار" ، لقب بذلك لأنه كان يقول: يأتيني
ذو خمار . وكان
الأسود [كاهنا] مشعبذا ويريهم الأعاجيب ، ويسبي بمنطقه قلب من يسمعه ، وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكاتبته
مذحج وواعدته
بحران ، فوثبوا بها وأخرجوا
عمرو بن حزم ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وأنزلوه منزلهما ، ووثب
قيس بن عبد يغوث على
فروة بن مسيك وهو على مراد ، فأجلاه ونزل
[ ص: 19 ] منزله ، فلم يلبث
عبهلة بحران أن سار إلى
صنعاء فأخذها ، وكتب
فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره ، ولحق
بفروة من بقي على إسلامه من
مذحج ولم يكاتب
الأسود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه ، وصفا له ملك
اليمن وقوي أمره .
واعترض على
الأسود وكاثره
عامر بن شهر الهمداني في ناحيته
وفيروز وداذويه في ناحيتهما ، ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به .
ثم خرج
الأسود في سبعمائة فارس إلى شعوب فخرج إليه
شهر بن باذام وذلك لعشرين ليلة من خروجه ، فقتل
شهرا ، وهزم الأبناء ، وغلب على
صنعاء لخمس وعشرين ليلة من خروجه . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل هاربا حتى مر
بأبي موسى وهو
بمأرب ، فاقتحما
حضرموت ، فنزل
معاذ السكون ، ونزل
أبو موسى السكاسك ، ورجع
عمرو وخالد إلى
المدينة ، وغلب
الأسود وطابقت عليه
اليمن وجعل أمره يستطير استطارة الحريق . ودانت له سواحل البحر ، وعامله المسلمون بالتقية .
وكان خليفته في مذحج
عمرو بن معديكرب ، وكان قد أسند أمر جنده إلى
قيس بن عبد يغوث ، وأمر الأنباء إلى
فيروز وداذويه .
ثم استخف بهم وتزوج امرأة شهر ، وهي ابنة عم
فيروز ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن يجاولوا
الأسود إما غيلة وإما مصادمة ، وأمرهم أن يستنجدوا رجالا سماهم لهم ممن خرجوا حولهم من
حمير وهمدان ، وأرسل إلى أولئك النفر أن ينجدوهم ، فدعوا
قيس بن عبد يغوث حين رأوا
الأسود قد تغير عليه ، فحدثوه الحديث وأبلغوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأجاب ودخلوا على زوجته ، فقالوا: هذا قتل أباك ، فما عندك؟ قالت: هو أبغض خلق الله إلي وهو متحرز والحرس يحيطون بقصره
[ ص: 20 ] إلا هذا البيت ، فانقبوا عليه فنقبوا ودخل
فيروز فخالطه فأخذ برأسه فقتله ، فخار كأشد خوار ثور ، فابتدر الحرس الباب ، فقالوا: ما هذا؟ قالت المرأة: النبي يوحى إليه فإليكم ثم خمد .
وقد كان يجيء إليه شيطان فيوسوس له فيغط ويعمل بما قال له ، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم ، ثم بالأذان ، وقالوا فيه: نشهد أن
محمدا رسول الله وأن
عبهلة كذاب ، وشنوها غارة . وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أعمالهم ، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخبر فسبق خبر السماء إليه ، فخرج قبل موته بيوم أو بليلة ، فأخبر الناس بذلك ، ثم ورد الكتاب ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات ، إلى
أبي بكر ، وكان من أول خروج
الأسود إلى أن قتل أربعة أشهر .
[أخبرنا
أبو بكر محمد بن الحسين الحاجي ، وإسماعيل بن أحمد السمرقندي ، قالا: أخبرنا
أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15183المخلص ، أخبرنا
أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف بن سعد ، أخبرنا
السري بن يحيى ، حدثنا
شعيب بن إبراهيم التيمي ، حدثنا
سيف بن عمر ، عن
أبي القاسم الشنوي ، عن
العلاء بن زياد] ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال:
أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخبر من السماء الليلة التي قتل فيها العنسي فخرج ليبشرنا ، فقال: "قتل العنسي الأسود البارحة ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين" ، قيل: ومن [هو]؟ قال: "فيروز ، فاز فيروز" . ذكر أخبار مسيلمة
قد ذكرنا أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد
بني حنيفة ، فلما عاد الوفد ارتد ،
[ ص: 21 ] وكان فيه دهاء فكذب لهم وادعى النبوة ، وتسمى برحمان
اليمامة ، لأنه كان يقول: الذي يأتيني اسمه رحمان ، وخاف أن لا يتم له مراده لأن قومه شاغبوه ، فقال: هو كما يقولون إلا أنني قد أشركت معه ، فشهد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه نبي ، وادعى أنه قد أشرك معه في النبوة ، وجعل يسجع لهم ويضاهي القرآن ، فمن قوله: سبح اسم ربك الأعلى الذي يستر على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين أضلاع وحشى . يا ضفدعة بنت الضفدعين نقي ما تنقين وسبحي فحسن ما تسبحين للطين تغني سنين والماء تلبسين ، ثم لا تكدرين ولا تفسدين فسبحي لنا فيما تسبحين . وكانوا قد سمعوا منه .
ومن قوله لعنه الله: والليل الأطحم ، والذئب الأدلم والجذع الأزلم ما انتهكت أسيد من محرم . وكان يقصد بذلك نصرة أسيد على خصوم لهم .
وقال: والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس .
وقال: والشاة وألوانها ، وأعجبها السود وألبانها ، والشاة السوداء واللبن الأبيض ، إنه لعجب محض ، وقد حرم المذق ، ما لكم لا تمجعون .
وكان يقول: والمبذرات زرعا ، والحاصدات حصدا ، والذاريات قمحا ، والطاحنات طحنا ، والخابزات خبزا ، والثاردات ثردا ، واللاقمات لقما ، إهالة وسمنا ، لقد فضلتم على أهل الوبر ، وما سبقكم أهل المدر ، ريفكم فامنعوه .
وأتته امرأة ، فقالت: ادع الله لنخلنا ولمائنا فإن
محمدا دعا لقوم فجاشت آبارهم ، فقال: وكيف فعل
محمد؟ قالت: دعا بسجل ، فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومجه فيه ، فأفرغوه في تلك الآبار ، ففعل هو كذلك فغارت تلك المياه .
وقال له رجل: برك على ولدي ، فإن
محمدا يبرك على أولاد أصحابه ، فلم يؤت
[ ص: 22 ] بصبي مسح على رأسه أو حنكه إلا لثغ وقرع .
وتوضأ في حائط فصب وضوءه فيه فلم ينبت .
وكانوا إذا سمعوا سجعه ، قالوا: نشهد أنك نبي ، ثم وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك ، فأصفقت معه بنو حنيفة إلا القليل وغلب على حجر
اليمامة وأخرج
ثمامة بن أثال ، فكتب
ثمامة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبره - وكان عامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على
اليمامة وانحاز
ثمامة بمن معه من المسلمين ، وكتب
مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من
مسيلمة رسول الله إلى
محمد رسول الله ، أما بعد ، فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم لا يعدلون ويعتدون .
وبعث الكتاب مع رجلين:
عبد الله بن النواحة ، وحجير بن عمير ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=684503 "أتشهدان أني رسول الله؟ " قالا: نعم ، قال: "أتشهد أن مسيلمة رسول الله؟ " قالا: نعم قد أشرك معك ، فقال: "لولا أن الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما" . ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء ، والعاقبة للمتقين ، وقد أهلكت أهل حجر ، أقادك الله ومن صوب معك" .