ثم دخلت سنة اثنتي عشرة
فمن الحوادث فيها
[مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة]
لما فرغ
خالد من أمر
اليمامة كتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو مقيم
باليمامة: إني قد وليتك حرب
العراق ، فاجسر على من ثبت على إسلامه] وقاتل أهل الردة ، ممن بينك وبين
العراق من
تميم وأسد وقيس وعبد القيس ، وبكر بن وائل ، ثم سر نحو فارس فادخل بهم
العراق من أسفلها ، فابدأ بفرج
الهند ، وهي يومئذ الأبلة ، وكان صاحبها
بساحل أهل السند والهند في البحر ، وبساحل العرب في البر ، فسار في المحرم إلى أرض
الكوفة وفيها
المثنى بن حارثة الشيباني ، وجعل طريقه
البصرة ، وفيها
قطبة بن قتادة السدوسي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي: من الناس من يقول: مضى
خالد من
اليمامة إلى
العراق ، ومنهم من يقول: رجع من
اليمامة فقدم
المدينة ثم سار إلى
العراق ، فمر على طريق
الكوفة حتى انتهى إلى
الحيرة .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16214صالح بن كيسان: أن
أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى
خالد يأمره أن يسير إلى
العراق ، فمضى
خالد يريد
العراق حتى نزل بقريات من
[ ص: 98 ] السواد ، يقال [لها] :
بانقيا وباروسما وأليس ، فصالحه أهلها ، وكان الذي صالحه عليها
ابن صلوبا ، وذلك في سنة اثنتي عشرة ، فقبل منهم
خالد الجزية ، وكتب لهم كتابا فيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم ، من
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي - ومنزله
بشاطئ الفرات - إنك آمن بأمان الله - إذ حقن دمه بإعطاء الجزية - وقد أعطيت عن نفسك وعن أهلك خرجك وجزيرتك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلتها منك ورضي من معي من المسلمين بها منك ، ولك ذمة الله وذمة
محمد صلى الله عليه وسلم وذمة المسلمين على ذلك . وشهد
هشام بن الوليد .
ثم أقبل
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد بمن معه حتى نزل
الحيرة ، فخرج إليه أشرافهم مع
قبيصة بن إياس الطائي ، وكان أمره عليها
كسرى بعد
النعمان بن المنذر ، فقال له
خالد ولأصحابه: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين ، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة ، فنجاهدكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم .
فقال له
قبيصة بن إياس: ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك [الجزية] ، فصالحهم على تسعين ألف درهم ، فكانت
أول جزية وقعت بالعراق هي
والقريات التي صالح عليها
ابن صلوبا .
وقال
هشام بن الكلبي: إنما كتب
أبو بكر إلى
خالد وهو
باليمامة أن يسير إلى
الشام ، وأمره أن يبدأ
بالعراق فيمر بها ، فأقبل
خالد يسير حتى نزل
النباج .
[قال: وقال
أبو مخنف: حدثني
حمزة بن علي ، عن رجل من
بكر بن وائل]:
أن
المثنى بن حارثة سار حتى قدم على
أبي بكر رضي الله عنه ، فقال: أمرني على من قبلي من قومي ، أقاتل من يليني من أهل فارس وأكفيك ناحيتي ، ففعل ذلك ، فأقبل
[ ص: 99 ] يجمع قومه وأخذ يغير ناحية
كسكر مرة ، وفي
أسفل الفرات مرة ، ونزل
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد النباج والمثنى بن حارثة [بخفان] معسكر ، فكتب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ليأتيه ، وبعث إليه بكتاب من
أبي بكر رضي الله عنه يأمره فيه بطاعته ، فانقض إليه [جوادا] حتى لحق به .
فأقبل
خالد يسير ، فعرض له
جابان صاحب
أليس ، فبعث إليه
المثنى بن حارثة ، فقاتله فهزمه ، وقتل جل أصحابه ، إلى جانب نهر ، فدعي نهر دم لتلك الوقعة ، وصالح أهل
أليس ، وأقبل حتى دنا من
الحيرة ، فخرجت إليه خيول
آزاذبه صاحب خيل
كسرى التي كانت في مسالح ما بينه وبين العرب ، فلقوهم بمجتمع الأنهار ، فتوجه إليهم
المثنى بن حارثة ، فهزمهم [الله] .
ولما رأى ذلك أهل
الحيرة خرجوا يستقبلونه ، فيهم
عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة ، وهاني بن قبيصة ، فقال
خالد لعبد المسيح: من أثرك؟ قال: من ظهر أبي ، قال: من أين خرجت؟ قال: من بطن أمي ، قال: ويحك على أي شيء أنت؟ قال: على الأرض ، قال: ويلك في أي شيء أنت؟ قال: في ثيابي ، قال: ويحك ، تعقل؟ قال:
نعم وأقيد ، قال: إنما أسألك ، قال: وأنا أجيبك ، قال: أسلم أنت أم حرب؟ قال: بل سلم ، قال: فما هذه الحصون التي أرى؟ قال: بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجيء الحليم فينهاه ، قال
خالد: إني أدعوكم إلى الإسلام ، فإن أبيتم فالجزية ، وإن أبيتم
[ ص: 100 ] قاتلتكم ، قالوا: لا حاجة لنا في حربك ، فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم ، فكانت أول جزية حملت إلى
المدينة من
العراق .
وفي رواية أخرى: أن
عبد المسيح لما حضر عند
خالد وجد معه شيئا يقلبه في كفه ، فقال: ما هذا؟ قال: سم ، قال: وما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي حمدت الله وقبلته ، وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ذلا أشربه وأستريح من الحياة ، قال: هاته .
فأخذه خالد ، وقال: بسم الله ، وبالله رب الأرض والسماء الذي لا يضر مع اسمه شيء ، ثم أكله فجللته غشية ، ثم ضرب بذقنه صدره طويلا ثم عرق وأفاق كأنما نشط من عقال ، فرجع
ابن بقيلة إلى قومه ، فقال: جئتكم من عند شيطان أكل سم ساعة فلم يضره فصانعوا القوم وادرءوهم عنكم فإنهم مصنوع لهم ، فصالحوهم على مائة ألف درهم .
[قال مؤلف الكتاب]: وهذا عبد
المسيح هو ابن عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة ، واسم بقيلة ثعلبة ، وقيل: الحارث ، وإنما سمي
بقيلة ، لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين ، فقالوا: ما أنت إلا
بقيلة . وعاش
عبد المسيح ثلاثمائة وخمسين سنة ، وكان نصرانيا ، وخرج بعض أهل
الحيرة يخط ديرا في ظهرها ، فلما حفر وأمعن وجد كهيئة البيت ، ووجد رجلا على سرير من زجاج وعند رأسه كتابة: أنا
عبد المسيح بن بقيلة ومكتوب بعده:
حلبت الدهر أشطره ، حياتي ونلت من المنى فوق المزيد وكافحت الأمور وكافحتني
ولم أجعل بمعضلة كؤود وكدت أنال في الشرف الثريا
ولكن لا سبيل إلى الخلود
روى
مجالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي: أقرأني بنو بقيلة كتاب
خالد إلى أهل
المدائن:
"من
nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد
[ ص: 101 ] فالحمد لله الذي سلب ملككم ، ووهن كيدكم ، وإنه من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا أما بعد ، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي [بالرهن] بالتي هي أحسن ، واعتقدوا مني الذمة ، وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة .
فلما قرءوا الكتاب أخذوا يتعجبون ، وذلك في سنة اثنتي عشرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي: ولما فرغ
خالد من
اليمامة ، كتب إليه
أبو بكر رضي الله عنه: إن الله فتح عليك فعارق حتى تلقى
عياضا . وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=360عياض بن غنم وهو بين
النباج والحجاز: أن سر حتى تأتي
المصيخ فابدأ بها ، ثم ادخل
العراق من أعلاها ، وعارق حتى تلقى
خالدا . وأذنا لمن شاء بالرجوع ، [ولا تستفتحا بمتكاره] .
فلما أذنا للناس ارفضوا ، فاستمد
خالد أبا بكر رضي الله عنه ،
فأمده بالقعقاع بن عمرو التميمي وحده ، فقيل أتمده برجل واحد ، فقال: لا يهزم جيش فيهم مثل هذا ، فأمد
عياضا بعبد بن عمرو الحميري ، وكتب إليهما أن استنفرا من قاتل أهل الردة ، ومن ثبت على الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يغزون معكم أحد ارتد حتى أرى رأيي ، فلم يشهد الأيام مرتد .
فقدم
خالد الأبلة وحشر من بينه وبين
العراق ، فلقي
هرمز في ثمانية عشر ألفا ، وكتب
خالد إلى
هرمز: أما بعد ، وأسلم تسلم ، واعقد لنفسك ولقومك الذمة ، وأقرر بالجزية ، وإلا فلا تلومن إلا نفسك ، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة .
وقال
المغيرة بن عيينة وهو قاضي
الكوفة: فرق
خالد مخرجه من
اليمامة إلى
العراق جنده ثلاث فرق ، ولم يحملهم على طريق واحدة ، فسرح
المثنى قبله بيومين ودليله
ظفر ، وسرح
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم ، وعاصم بن عمرو ودليلهما
[مالك] بن عباد ، [ ص: 102 ] وسالم بن نصر ، أحدهما قبل صاحبه بيوم ، وخرج ودليله
رافع ، فوعدهم جميعا
الحفير ليجتمعوا به وليصادفوا عدوهم ، وكان فرج
الهند أعظم فروج
فارس شأنا وأشده شوكة ، وكان صاحبه يحارب العرب في البر
والهند في البحر . ولما قدم كتاب
خالد على
هرمز ، كتب بالخبر إلى
شيري بن كسرى ، وإلى
أردشير بن شيري ، وجمع جموعه وتعجل وجعل على مجنبتيه
قباز والنوشجان ، ونزلوا على الماء ، فجاء
خالد ، فقال لأصحابه: جالدوهم على الماء ، فليصيرن الماء لأصبر الفريقين ، وتنازل
هرمز وخالد وانهزم أهل فارس وأفلت
قباز والنوشجان .
وأول ملوك فارس قاتله المسلمون
شيري بن كسرى ، وبعث
خالد بالنفل إلى
أبي بكر رضي الله عنه ومعه فيل ، فكان يطاف به في
المدينة ، وكان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم ، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف ، وكان
هرمز قد تم شرفه فنفل
أبو بكر رضي الله عنه خالدا قلنسوته ، وكانت مفصصة بالجوهر .