ثم دخلت سنة ست عشرة
فمن الحوادث فيها
فتح مدينة بهرسير
أخبرنا
القزاز ، قال: أخبرنا
الخطيب ، قال: والمدائن على جانبي
دجلة شرقا وغربا ،
ودجلة تشق بينهما ، وتسمى المدينة الشرقية العتيقة ، وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرى من بناه ، ويتصل بها المدينة التي كانت الملوك تنزلها ، وفيها الإيوان وتعرف بأسبانير . وأما المدينة الغربية فتسمى
بهرسير ، وكان
الإسكندر قد بنى بالمغرب
الإسكندرية ، وبخراسان العليا سمرقند ومدينة
الصغد ، وبخراسان السفلى مرو ، وهراة ، وجال في الأرض ، فلم يختر منزلا سوى المدائن فنزلها . وبنى بها مدينة عظيمة ، وجعل عليها سورا أثره باق إلى الآن ، وهي المدينة التي تسمى
الرومية في جانب دجلة الشرقي ، وأقام
الإسكندر بها ومات ، فحمل منها إلى الإسكندرية لمكان أمه . وكل الملوك اختاروا المدائن ، وإنما سميت المدائن لكثرة من بنى بها من الملوك الأكاسرة . والذي بنى الإيوان هو
شابور بن هرمز المعروف بذي الأكتاف ، وكان ملكه اثنتين وسبعين سنة .
قال علماء السير:
أمر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص بعد القادسية بالمسير إلى المدائن ، وعهد إليه أن يخلف النساء والعيال بالعتيق ، ويجعل معهم من يحرسهم من الجند ويسهم لأولئك الجند من المغنم ما داموا يحفظون عيال
[ ص: 204 ] المسلمين ، فأقام
سعد بعد الفتح شهرين
بالقادسية ، ثم ارتحل بعد الفراغ من أمرها لأيام بقين من شوال ، ولقي جماعة من أصحابه جموعا من فارس يوم برس فهزموهم إلى
بابل ، فلحقوهم فقتلوا منهم .
وأقام
سعد ببابل أياما ثم جاء إلى كوثى ، وأتى المكان الذي حبس فيه
إبراهيم عليه السلام ، وقدم
سعد زهرة بن الحوية إلى
بهرسير ، فتلقاه
شيرزاد بساباط بالصلح وتأدية الجزية ، فبعثه إلى سعد ، ولحق سعد بزهرة فنزلوا
بهرسير ، وبث سعد الخيل فأغارت ما بين دجلة إلى من له عهد من أهل الفرات ، فأصابوا مائة ألف فلاح ، فكتب بذلك إلى عمر ، فكتب عمر: إذا كان الفلاحون مقيمين لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ، ومن هرب فأدركتموه فشأنكم به .
فخلى سبيلهم ، وتحصنت العجم بيهرسير ، ونصب عليهم سعد عشرين منجنيقا .
وحصروهم شهرين حتى أكلوا الكلاب والسنانير ، وربما خرج الأعاجم يمشون على المسنيات المشرفة على
دجلة لقتال المسلمين فلا يقومون لهم ، [ثم تجردوا يوما للحرب ، فقاتلهم المسلمون فلم يثبتوا لهم] ، فنزلوا ، ووقع سهم في
زهير بن الحياة ، فقال زهرة: أخرجوه ، فقال: دعوني فإن نفسي معي ما دام في لعلي أصيب منهم بطعنة أو ضربة أو خطوة ، فمضى نحو العدو ، فضرب بسيفه شهربراز فقتله ، ثم أحيط به فقتل .
كل هذا وملكهم متحصن في مدينة ، فبعث إلى المسلمين رسولا يقول لهم: إن الملك يقول لكم: هل لكم في المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة وجبلنا ، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم . فكلمه
الأسود بن قطبة بكلمات فولى فقيل له: ما قلت له؟ قال: والله ما أدري ، وإنما هي كلمات جرت على لساني .
فخرج من القوم رجل يستأمن ، فأمنوه ، فقال: والله ما بقي في المدينة أحد فما يمنعكم ، فتسورها الرجال وقالوا له: لأي شيء هربوا؟ فقال: بعث الملك يعرض عليكم الصلح فأجبتموه بأنه لا يكون بيننا وبينك صلح حتى نأكل من عسل أفريذين بأترج كوثى .
[ ص: 205 ]
فلما دخل
سعد والمسلمون
بهرسير -وهي المدينة الدنيا- طلبوا السفن ليعبروا إلى المدينة القصوى ، وهي المدائن ، فلم يقدروا على شيء ووجدوا القوم قد ضموا السفن ولاح للمسلمين الأبيض ، فكبروا وقالوا: هذا أبيض كسرى ، هذا ما وعد الله ورسوله .
فأقاموا
ببهرسير أياما من صفر ، ثم جاء أعلاج ، فدلوهم على مخاضة ، فتردد سعد في ذلك ، ثم فاجأهم المد ، فرأى رؤيا ، أن خيول المسلمين قد اقتحمت ، فعبرت ، فقال للناس: إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ، فقالوا: عزم الله لنا ولك على الرشد ، فافعل .
وأتى بعض العلوج فقال لسعد: إن أقمت ثلاثا ذهب
يزدجرد بكل شيء من المدائن ، فهيجه على العبور .
فقال
سعد : من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج؟ فانتدب له
عاصم بن عمرو أول الناس ، وانتدب معه ستمائة من أهل النجدات ، فسار فيهم عاصم حتى وقف على شاطئ دجلة ، ثم اقتحموا . فجاءت الأعاجم فقال عاصم: الرماح ، فطعنوا القوم فلحقوهم فقتلوا عامتهم . فحينئذ أذن سعد للناس في الاقتحام ، فاقتحموا دجلة ، وإنها لترمي بالزبد ، وإن الناس ليتحدثون في عومهم كما يتحدثون على وجه الأرض ، فكان الفرس يقوم براكبه ، فربما لم يبلغ الماء الحزام ، وربما أعيا الفرس فتظهر له تلعة فيستريح عليها .
وكان سعد يقول في عومه: حسبنا الله ونعم الوكيل ،
وسلمان يحادثه في عومه حتى خرجوا فلم يفقدوا شيئا ، ولم يغرق إلا رجل وقع من فرسه في الماء ، فعاد إليه رجل ، فأخذ بيده فعبر . ووقع من رجل قدح ، فأخذه آخر ، فجاء به إلى العسكر فعرفه صاحبه .
فلما رأى العدو ذلك هربوا لا يلوون على شيء ، وجعلوا يقولون: إنما تقاتلون
[ ص: 206 ] الجن لا الإنس ، وتركوا جمهور أموالهم ، وكان في بيوت الأموال ثلاثة ألف ألف ، فأخذوا نصف ذلك وهربوا وتركوا [الباقي ، وخرجوا من المتاع بما يقدرون عليه ، وتركوا] من الثياب والمتاع والأواني ، وما أعدوا للحصار من البقر والغنم والطعام ما لا يحصى قيمته . وكان
يزدجرد قد أخرج عياله إلى
حلوان ، فلحق بعياله ، فدخل المسلمون المدائن وليس فيها أحد إلا أنه قد بقي في القصر الأبيض قوم قد تحصنوا به ، فعرض عليهم المسلمون الإسلام أو الجزية أو القتل ، فاختاروا الجزية .
ونزل سعد القصر الأبيض ، واتخذ الإيوان مصلى ، وجعل يقرأ:
كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين وأتم الصلاة ، ثم دخلها لأنه كان على نية الإقامة ، وصلى الجمعة ، وكانت
أول جمعة جمعت بالعراق جمعة المدائن .
[أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14986أبو منصور القزاز ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14231أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ، أخبرنا
الحسين بن عمر بن برهان ، وعلي بن محمد المعدل ، قالا: أخبرنا
عثمان بن أحمد الدقاق ، أخبرنا
أبو عوف البزوري ، حدثنا
عمرو بن حماد [يعني ابن طلحة القناد ] ، حدثنا
أسباط ، عن
سماك ] ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662206 "ليفتتحن رهط من المسلمين كنز كسرى الذي في الأبيض" . فكنت أنا وأبي منهم ، فأصبنا من ذلك ألفي درهم . [أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14986أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا
أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=13164ابن رزق ، حدثنا
إبراهيم بن محمد المزكي ، أخبرنا
محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15980سعدان بن نصر ، حدثنا
شبابة بن سوار ، حدثنا
أيوب بن طهمان ]:
[ ص: 207 ] أنه رأى
علي] بن أبي طالب رضي الله عنه حين دخل الإيوان بالمدائن أمر بالتماثيل التي في القبلة فقطع رؤوسها ثم صلى فيها .