ثم دخلت
سنة ست وستين
فمن الحوادث فيها:
وثوب المختار بن أبي عبيد طالبا بدم الحسين رضي الله عنه .
وذلك أن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد لما قتلوا بعد قتل من قتل منهم كتب إليهم
المختار وهو في السجن: بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد: فإن الله عز وجل أعظم لكم الأجر ، وحط عنكم الوزر بمفارقة القاسطين ، وجهاد المحلين ، وإنكم لم تنفقوا نفقة ، ولم تقطعوا عقبة ، ولم تخطوا خطوة إلا رفع الله عز وجل لكم بها درجة ، وكتب لكم بها حسنة ، فأبشروا ، فإني لو خرجت إليكم جردت فيما بين المشرق والمغرب من عدوكم السيف بإذن الله عز وجل .
فبعثوا إليه في الجواب: إنا قد قرأنا كتابك ونحن بحيث يسرك ، فإن شئت أن نأتيك حتى نخرجك فعلنا ، فقال لهم: إني أخرج في أيامي هذه . وشفع فيه
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر إلى
عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد الأميرين على
الكوفة ، فضمنوه جماعة من الأكابر وأخرجوه ، ثم أحلفاه بالله الذي لا إله إلا هو ، لا يبغيهما [غائلة] ، ولا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان ، فإن هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها [لدى] رتاج الكعبة ، ومماليكه كلهم أحرار ، فحلف لهما .
[ ص: 52 ]
ثم جاء إلى داره فنزلها ، فقال: قاتلهم الله ، ما أحمقهم حين يرون أني أفي لهم ، أما حلفي بالله عز وجل فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها أن أكفره ، وخروجي عليهم خير من كفي عنهم . وأما ألف بدنة فما قدر ثمنها ، وأما عتق مماليكي فوددت إن استتب لي أمري ، ثم لم أملك مملوكا أبدا .
ولما استقر في داره اختلفت
الشيعة إليه ورضيت به ، فلم يزل أمره يقوى إلى أن عزل
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد ، وبعث
عبد الله بن مطيع على عملهما
بالكوفة ، وبعث
الحارث بن أبي ربيعة على
البصرة ، فقدم
ابن مطيع الكوفة لخمس بقين من رمضان سنة خمس وستين ، فقيل له: خذ
المختار واحبسه ، فبعث إليه فتهيأ للذهاب ، فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15908زائدة بن قدامة: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك [8: 30] ففهمها
المختار ، فجلس وألقى ثيابه ، وقال: ألقوا علي القطيفة ، ما أراني إلا قد وعكت ، ثم قال: أعلموا
ابن مطيع حالتي واعتذروا عنده ، فأخبر بعلته ، فصدقه ولهى عنه ، وبعث
المختار إلى أصحابه ، وأخذ يجمعهم في الدور حوله ، وأراد أن يثب
بالكوفة في المحرم ، فقال: بعض أصحابه لبعض: إن
المختار يريد أن يخرج بنا وقد بايعناه ولا ندري أرسله إلينا
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية أم لا ، فانهضوا بنا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية ، فإن رخص لنا في اتباعه تبعناه ، فذهبوا إليه فأخبروه فقال: والله لوددت أن الله انتصر لنا بمن أشاء ، فلما قدموا قالوا: أذن لنا ، ففرح المختار ، وكان قد انزعج من خروجهم وخاف أن لا يأذن لهم ، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر بعيد الصوت كثير العشيرة ، فأرادوه أن يخرج مع المختار ، فقال: بل أكون أنا الأمير ، قالوا: إن
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية قد أمر
المختار بالخروج ، فسكت ، فصنع
المختار كتابا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية إليه يأمره بالموافقة
للمختار ، وأقام من يشهد أنه كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية ، فبايعه وتردد إليه ، فاجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس لأربع عشرة من ربيع الأول سنة ست وستين .
فأتى
إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع ، فقال: إن
المختار خارج عليك إحدى الليلتين ، فأخرج الشرط ، وأقامهم على الطريق في الجبابين ، خارج البلد ، فخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر ، وقال: والله لأمرن على دار
nindex.php?page=showalam&ids=146عمرو بن حريث إلى جانب القصر وسط
[ ص: 53 ] السوق ، ولأرهبن عدونا ، ولأرينهم هوانهم علينا ، فمر فلقيه
إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح ، فقال له ولأصحابه: من أنتم؟ فقال: أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر ، فقال: ما هذا الجمع معك؟ إن أمرك لمريب وما أنا بتاركك حتى آتي بك الأمير ، فتناول
إبراهيم رمحا من بعض أصحاب
إياس فطعن به
إياسا فقتله ، وقال لرجل من قومه: انزل فاحتز رأسه ، ففعل ، فتفرق أصحابه ودخل
إبراهيم على
المختار ، وكانت ليلة الأربعاء ، فقال له: إنا اتعدنا للخروج ليلة الخميس ، وقد حدث أمر لا بد له من الخروج الليلة ، فقال: وما هو؟ فقال: عرض لي
إياس بن مضارب فقتلته ، فقال
المختار: بشرك الله بخير ، هذا أول الفتح ، قم يا
سعيد بن منقذ ، فأشعل في الهرادي النيران ثم ارفعها للمسلمين ، وقم يا
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد ، فناد: "يا منصور أمت" ، وقم أنت يا
سفيان بن ليل ، وأنت يا
قدامة بن مالك وقل: "يا لثارات
الحسين" . ثم قال [المختار]: علي بدرعي وسلاحي ، فأتي به ، فأخذ يلبس سلاحه ويقول:
قد علمت بيضاء حسناء الطلل واضحة الخدين عجزاء الكفل أني غداة الروع مقدام بطل
ثم إن
إبراهيم قال
للمختار: إن هؤلاء الذين وضعهم
ابن مطيع في الجبابين يمنعون إخواننا أن يأتونا ، ويضيقون عليهم ، فلو أني خرجت بمن معي من أصحابي حتى آتي قومي ، فيأتيني كل من قد بايعني ، ثم سرت بهم في نواحي
الكوفة ، ودعوت بشعارنا ، فخرج إلي من أراد الخروج ، قال: فاعجل ، ولا تقاتل إلا من قاتلك .
فخرج
إبراهيم ، واجتمع إليه جل من كان بايعه ، فسار بهم في سكك
الكوفة ، وخرج فهزم كل من لقيه من المسالح ، وخرج
المختار حتى نزل في ظهر دير هند . وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبو عثمان النهدي ونادى: يا لثارات
الحسين ، ألا إن أمير آل محمد قد خرج فنزل دير هند ، وبعثني إليكم داعيا ، فاخرجوا رحمكم الله ، فخرجوا من الدور يتداعون: يا لثارات
الحسين . فوافى
المختار منهم ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثني عشر ألفا كانوا
[ ص: 54 ] بايعوه ، واجتمعوا له قبل انفجار الصبح .
وجمع
ابن مطيع الناس في المسجد وبعث
nindex.php?page=showalam&ids=16088شبث بن ربعي إلى
المختار في نحو من ثلاثة آلاف ، وبعث
راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط ، وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر في جماعة كثيرة واقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل راشد وانهزم أصحابه ، وجاء البشير بذلك إلى
المختار ، فقويت نفوس أصحابه ، وداخل أصحاب
ابن مطيع الفشل . ودنا
إبراهيم من
شبث وأصحابه ، فحمل عليهم فانكشفوا حتى انتهوا إلى أبيات
الكوفة ، ورجع الناس من السبخة منهزمين إلى
ابن مطيع ، وجاءه قتل
راشد بن إياس ، فأسقط في يده .
وخرج فحض الناس على القتال ، وقال: امنعوا حريمكم وقاتلوا عن مصركم ، فقال
إبراهيم للمختار: سر بنا ، فما دون القصر
أحد يمنع ، ولا يمتنع كبير امتناع ، فقال
المختار: ليقم هاهنا كل شيخ وكل ذي علة ، وضعوا ما كان لكم من ثقل ومتاع بهذا الموضع . واستخلف عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبا عثمان النهدي ، وقدم
إبراهيم أمامه .
وبعث
عبد الله بن مطيع عمرو بن الحجاج في ألفين ، فبعث
المختار إلى
إبراهيم أن أطوه ولا تقم ، وأمر
يزيد بن أنس أن يصمد
لعمرو . ومضى
المختار في أثر
إبراهيم ، وأقبل
شمر بن ذي الجوشن في ألفين ، فبعث إليه
المختار سعيد بن منقذ ، فواقعه ، وبعث إلى
إبراهيم أن أطوه وامض على وجهك ، فمضى حتى انتهى إلى سكة
شبث ، وإذا
نوفل بن مساحق في نحو من خمسة آلاف ، وقد أمر
ابن مطيع سويد بن عبد الرحمن فنادى في الناس أن يلحقوا
بابن مساحق .
وولى حصار القصر
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر ، ويزيد بن أنس ، وأحمر بن شميط .
وخرج
ابن مطيع فاستتر في دار ، وخلى القصر ، وفتح أصحابه الباب ، وقالوا: يا
ابن الأشتر ، نحن آمنون؟ قال: نعم ، فبايعوا
المختار . [ ص: 55 ]
ودخل
المختار القصر ، فبات به ، وخرج من الغد فصعد المنبر ، فقال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر ، وعدوه الخسر ، ثم نزل فبايعه الناس ، فجعل يقول: تبايعون على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والطلب بدماء أهل البيت ، وجهاد المحلين ، وأخذ
المختار في السيرة الجميلة ، فقيل له: إن
ابن مطيع في الدار الفلانية ، فسكت ، فلما أمسى بعث إليه بمائة ألف درهم ، وقال له: تجهز بهذه واخرج فإني قد شعرت بمكانك ، وكان صديقه قبل ذلك .
وأصاب
المختار في بيت مال
الكوفة سبعة آلاف ألف ، فأعطى أصحابه الذين حصروا
ابن مطيع في القصر -وهم ثلاثة آلاف وثمانمائة رجل- كل رجل خمسمائة درهم ، وأعطى ستة آلاف من أصحابه مائتين مائتين ، وأدنى الأشراف ، فكانوا جلساءه .
وأول رجل عقد له المختار راية عبد الله بن الحارث أخو الأشتر ، عقد له على أرمينية . وبعث
محمد بن عمير بن عطارد على
أذربيجان ، وبعث
عبد الرحمن بن سعيد على
الموصل . فلما قدم عليه
عبد الرحمن بن سعيد من قبل
المختار أميرا تنحى له عن
الموصل ، ثم شخص إلى
المختار فبايع له .
وكان
المختار يقضي بين الناس ، ثم قال: لي فيما أحاول شغل عن القضاء ، فأجلس للناس
شريحا ، فقضى بين الناس ، ثم تمارض
شريح ، فأقام
المختار مكانه
عبد الله بن عتبة بن مسعود .