وفي هذه السنة وثب المختار بمن كان بالكوفة من قتلة الحسين والمشايعين على قتله ، فقتل من قدر عليه ، وهرب منه بعضهم . وكان سبب ذلك أن
مروان لما استوثق
[ ص: 56 ] له أمره بعث
عبيد الله بن زياد إلى
العراق ، وجعل له ما غلب عليه ، وأمره أن ينهب
الكوفة إذا ظفر بأهلها ثلاثا .
فمر بأرض الجزيرة فاحتبس بها وبقتال أهلها عن
العراق نحوا من سنة ، ثم أقبل إلى
الموصل ، فكتب
عبد الرحمن بن سعيد عامل
المختار على
الموصل إلى
المختار:
أما بعد ، فإني أخبرك أيها الأمير أن
عبيد الله بن زياد قد دخل إلى أرض
الموصل ، وقد وجه خيله قبلي ورجاله ، وأني انحزت إلى
تكريت حتى يأتيني أمرك .
فكتب إليه
المختار: أصبت فلا تبرح من مكانك حتى يأتيك أمري ، ثم قال
ليزيد بن أنس: اذهب إلى
الموصل فإني ممدك بالرجال . فقال: سرح معي ثلاثة آلاف [فارس] أنتخبهم ، فإن احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك . قال
[المختار]: فانتخب من أحببت ، فانتخب ثلاثة آلاف فارس .
ثم فصل من
الكوفة ، فخرج معه
المختار يشيعه ، وقال له: إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم ، وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها ، وليكن خبرك في كل يوم عندي ، وإن احتجت إلى مدد فاكتب إلي ، مع أني ممدك ولو لم تستمد . فقال يزيد: وايم الله لئن لقيتهم ففاتني النصر لا تفوتني الشهادة .
فكتب
المختار إلى
عبد الرحمن بن سعيد: أما بعد ، فخل بين يزيد وبين البلاد ، والسلام عليكم .
فسار حتى أتى أرض الموصل ، فسأل
عبيد الله بن زياد عن عدة أصحاب
يزيد ، فقيل: خرج مع ثلاثة آلاف ، فقال: أنا أبعث إلى كل ألف ألفين .
فمرض
يزيد فقال: إن هلكت فأميركم
ورقاء بن عازب الأسدي ، فإن هلك فأميركم
عبد الله بن ضمرة العذري ، فإن هلك فأميركم
سعر بن أبي سعر الحنفي . ثم قال: قدموني وقاتلوا ، وقاتلوا عني . فأخرجوه في يوم عرفة سنة ست وستين ، فجعل يقول:
[ ص: 57 ]
اصنعوا كذا ، افعلوا كذا ، ثم يغلبه الوجع فيوضع . فاقتتل القوم قبل شروق الشمس ، فهزم أصحاب
عبيد الله وقتل قائدهم . ثم اقتتلوا يوم الأضحى ، فهزم أصحاب
عبيد الله ، وقتلوا قتلا ذريعا . وأتى
يزيد بن أنس بثلاثمائة أسير ، فأمر بقتلهم ، فقتلوا ، فما أمسى
يزيد حتى مات ، فانكسر أصحابه بموته .
فقال
ورقاء: يا قوم: إنه قد بلغني أن
ابن زياد قد أقبل إلينا في ثمانين ألفا من أهل الشام ، ولا طاقة لنا به ، فماذا ترون؟ فإني أرى أن نرجع ، قالوا: افعل ، فرجع ورجعوا .
فبلغ الخبر إلى
المختار ، فبعث
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر على تسعة آلاف ، ثم قال: اذهب فارددهم معك ، ثم سر حتى تلقى عدوك فتناجزهم .
ثم إن أهل
الكوفة تغيروا على
المختار ، وقالوا: أتأمر علينا بغير رضا منا ، وزعم أن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية أمره بذلك ولم يفعل ، فاجتمع رأيهم على قتاله ، وصبروا حتى بلغ
ابن الأشتر ساباط ، ثم وثبوا على
المختار ، فمنعوا أن يصل إليه شيء وعسكروا ، فبعث
المختار إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر: لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بجميع من معك إلي .
ثم بعث
المختار إليهم: أخبروني ماذا تريدون؟ قالوا: نريد أن تعتزلنا ، فإنك زعمت أن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية بعثك ولم يبعثك ، فقال
المختار: ابعثوا إليه من قبلكم وفدا ، وأبعث من قبلي وفدا حتى تنظروا ، إنما أراد أن يشغلهم بالحديث حتى يقدم
ابن الأشتر ، فأسرع إبراهيم حتى قدم صبيحة ثلاثة من مخرجهم على
المختار . ثم خرج إليهم
المختار فاقتتلوا كأشد قتال ، ونصر عليهم
المختار ، وهربوا ، وأدرك منهم قوم ، فقتلوا منهم
شمر بن ذي الجوشن ، وأسر
سراقة بن مرداس ، فقال: ما أسرتموني ، وإنما أسرني قوم على دواب بلق ، وجاء
سراقة يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ، لقد رأيت الملائكة تقاتل على خيول بلق بين السماء والأرض ، فقال له المختار: فاصعد المنبر وأعلم المسلمين ، ففعل ، فلما نزل خلا به المختار ، فقال: قد علمت أنك لم تر الملائكة ، وإنما أردت أن لا أقتلك ، فاذهب عني حيث شئت ، ولا تفسد علي أصحابي .
ونادى
المختار: من أغلق بابه فهو آمن إلا رجلا أشرك في دم آل محمد ، وخرج أشراف أهل
الكوفة فلحقوا
بمصعب بن الزبير بالبصرة ، وتجرد المختار لقتلة
الحسين ، وكان يقول: لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم ، وأنقي المصر
[ ص: 58 ] منهم ، فجعل يتبع من خرج في قتال
الحسين عليه السلام فيقتلهم شر قتل ، وبعث إلى خولي الأصبحي -وهو صاحب رأس الحسين- فأحاطوا بداره ، فاختبأ في المخرج ، فقالوا لامرأته: أين هو؟ فقالت: لا أدري ، وأشارت بيدها إلى المخرج ، فأخرجوه فقتلوه وأحرقوه .
وبعث إلى
عمر بن سعد من قتله ، وكان قد أعطاه في أول ما خرج أمانا بشرط أن لا يحدث .
وكان
أبو جعفر الباقر [يقول]: إنما أراد بالحدث دخول الخلاء ، فجيء برأسه وابنه
حفص بن عمر بن سعد جالس عند
المختار ، فقال له: أتعرف هذا الرأس؟
فاسترجع وقال: نعم ، لا خير في العيش بعده ، فقال المختار: صدقت فإنك لا تعيش بعده ، فقتل ، فإذا رأسه مع رأس أبيه ، فقال
المختار: هذا
بحسين ، وهذا
بعلي بن حسين ، ولا سواء ، والله لو قتل به ثلاثة أرباع
قريش ما وفوا أنملة من أنامله . ثم بعث برأسيهما إلى
محمد بن علي ابن الحنفية ، وكان الذي هيج على قتل
عمر بن سعد أنه بلغه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12691ابن الحنفية أنه يقول: يزعم
المختار أنه لنا شيعة وقتلة
الحسين جلساؤه يحدثونه . فما لبث أن قتل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وابنه ، وطلب
المختار سنان بن أنس الذي كان يدعي قتل
الحسين ، فوجده قد هرب إلى
البصرة ، فهدم داره ، وما زال يتبع القوم ويقتلهم بفنون القتل ، فإذا لم يجد الرجل هدم داره .