وفي هذه السنة سار مصعب بن الزبير إلى المختار فقتله .
وسبب ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=16088شبث بن ربعي كان فيمن قاتل
المختار ، فهزمهم
المختار ، فلحقوا
بمصعب بن الزبير بالبصرة ، فقدم
شبث على
مصعب وهو على بغلة قد قطع ذنبها وطرف أذنها ، وشق قباءه وهو ينادي: يا غوثاه يا غوثاه . فدخل عليه ومعه أشراف الناس من المنهزمين ، فأخبره بما أصيبوا به ، وسألوه النصر على
المختار ، ثم قدم
محمد بن الأشعث بن قيس أيضا ، وكان
المختار قد طلبه فلم يجده فهدم داره ، فكتب
مصعب إلى المهلب ، وهو عامله على فارس: أن أقبل إلينا تشهد أمرنا ، فإنا نريد المسير إلى
الكوفة .
فأقبل
المهلب بجموع كثيرة وأموال عظيمة ، فدخل على
مصعب ، فأمر
مصعب الناس بالمعسكر عند الجسر الأكبر ، ودعا
عبد الله بن مخنف وقال له: ائت
الكوفة فأخرج إلي جميع من قدرت أن تخرجه ، وادعهم إلى بيعتي سرا . وخذل أصحاب
المختار ، فمضى حتى جلس في بيته مستترا لا يظهر ، وخرج
مصعب ومعه
المهلب ، والأحنف بن قيس ، وبلغ
المختار الخبر ، فقام في أصحابه فقال: يا أهل
الكوفة ، يا أعوان الحق وشيعة الرسول ، إن فراركم الذين بغوا عليكم أتوا أشباههم من الفاسقين فاستغووهم ، انتدبوا مع
أحمد بن شميط ، ودعا الرؤوس الذي كانوا مع
ابن الأشتر ، فبعثهم مع
أحمد بن شميط ، وإنما فارقوا
ابن الأشتر؛ لأنهم رأوه كالمتهاون بأمر
المختار .
فخرج
ابن شميط حتى ورد
المدائن ، وجاء
مصعب فعسكر قريبا منه ، فقال: يا هؤلاء ، إنا ندعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإلى بيعة
المختار ، وإلى
[ ص: 65 ] أن يجعل هذا الأمر شورى في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاقتتلوا ، فقتل
ابن شميط ، وانهزم أصحابه .
وبلغ الخبر إلى
المختار ، فقال: ما من موتة أموتها أحب إلي من موتة
ابن شميط ، وساروا فالتقوا وقد جعل مصعب على ميمنته
nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة ، وعلى ميسرته
عمر بن عبيد بن معمر التيمي ، وعلى الخيل
عباد بن الحصين ، وعلى الرجالة
مقاتل بن مسمع البكري ، ونزل هو يمشي متنكبا قوسا ، وتزاحف الناس ودنا بعضهم إلى بعض ، فبعث
المختار إلى
عبد الله بن جعدة: أن أحمل على من يليك ، فحمل فكشفهم حتى انتهوا إلى مصعب ، فجثى على ركبتيه ، ولم يكن فرارا ، ورمى بأسهمه ، ونزل الناس عنده فقاتلوا ساعة ثم تحاجزوا ، وحمل
المهلب فحطم أصحاب
المختار حطمة منكرة فكشفهم ، وقتل
محمد بن الأشعث وعامة أصحابه ، وتفرق أصحاب المختار ، وجاء هو حتى دخل قصر
الكوفة فحصر هو وأصحابه ، فكانوا لا يقدرون على الطعام والشراب إلا بحيلة ، وكان يخرج هو وأصحابه فيقاتلون قتالا ضعيفا ، وكانت لا تخرج له خيل إلا رميت بالحجارة من فوق البيوت ، وصب عليهم الماء القذر ، وصار
المختار وأصحابه يشربون من البئر فيصبون عليه العسل ليتغير طعمه .
ثم أمر
مصعب أصحابه فاقتربوا من القصر ثم دخلوه ، فقال
المختار لأصحابه:
ويحكم! إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفا ، فانزلوا بنا نقاتل لنقتل كراما ، والله ما أنا بآيس إن صدقتموهم أن ينصركم الله . فتوقفوا عن قبول قوله ، فقال: أما أنا فوالله لا أعطي بيدي .
ثم أرسل إلى امرأته
أم ثابت بنت سمرة بن جندب ، فأرسلت إليه بطيب كثير ، فاغتسل وتحنط ووضع ذلك الطيب على رأسه ولحيته ، ثم خرج في تسعة عشر رجلا ، فقال لهم: أتؤمنونني وأخرج إليكم؟ فقالوا: لا ، إلا على الحكم ، فقال: لا أحكمكم في نفسي أبدا ، فضارب بسيفه حتى قتل ، ونزل أصحابه على الحكم فقتلوا ، وأمر
مصعب بكف
المختار فقطعت ثم سمرت بمسمار حديد إلى جنب حائط المسجد ، ولم يزل
[ ص: 66 ] على ذلك حتى قدم
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج بن يوسف ، فنظر إليها فقال: ما هذه؟ فقالوا: كف
المختار ، فأمر بنزعها .
وبعث مصعب عماله على الجبال والسواد ، وكتب إلى
ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول له: إن [أنت] أجبتني ودخلت في طاعتي فلك
الشام وأعنة الخيل وما غلبت عليه من أرض
المغرب ما دام لآل الزبير سلطان . وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان من
الشام إليه يدعوه إلى طاعته ، ويقول: إن أجبتني ودخلت في طاعتي فلك
العراق ، فدعا
nindex.php?page=showalam&ids=12361إبراهيم بن الأشتر أصحابه وقال: ما تقولون؟ أو ماذا ترون؟ فقال بعضهم: تدخل في طاعة
عبد الملك ، وقال بعضهم: تدخل في طاعة
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، فقال
ابن الأشتر: لو لم أكن أصبت
عبيد الله بن زياد ولا رؤساء أهل
الشام تبعت
عبد الملك . وأقبل بالطاعة إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير .
ولما قتل
مصعب المختار ملك
البصرة والكوفة ، غير أنه أقام
بالكوفة ووجه
المهلب على
الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية ، وإن
مصعبا لقي
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة ، فقال
مصعب: إنهم كانوا كفرة سحرة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: والله لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا .
والتراث هو الميراث .