ثم دخلت
سنة سبع وسبعين
فمن الحوادث فيها قتل شبيب عتاب بن ورقاء الرياحي ، وزهرة بن حيويه .
وذلك أن
شبيبا لما هزم الجيش الذي بعثه
الحجاج مع
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابن الأشعث ، وقتل
عثمان بن قطن ، أوى من الحر إلى بلده يصيف بها ، ثم خرج في نحو من ثمانمائة رجل ، فأقبل نحو
المدائن ، فندب
الحجاج الناس ، فقام إليه
زهرة بن حيويه وهو شيخ كبير ، فقال: إنك إنما تبعث الناس متقطعين ، فاستنفر الناس كافة ، وابعث إليهم رجلا شجاعا ممن يرى الفرار عارا . فقال له
الحجاج: فأنت لها ، فقال: إني قد ضعفت ، ولكن أخرجني مع الأمير أشير عليه برأيي .
فكتب
الحجاج إلى
عبد الملك: إن
شبيبا قد شارف
المدائن ، وإنما يريد
الكوفة ، وقد عجز أهل
الكوفة عن قتاله في مواطن كثيرة ، في كلها يقتل أمراءهم ، ويفل جنودهم فإن رأى أمير المؤمنين [أن] يبعث إلى أهل
الشام فيقاتلون عدوهم ويأكلون فيئهم فليفعل .
فلما قرأ الكتاب بعث إليه
سفيان بن الأبرد في أربعة آلاف وبعث
حبيب بن [ ص: 188 ] عبد الرحمن في ألفين ، وتجهز أهل
الكوفة أيضا ، وقد بعث
الحجاج إلى
عتاب بن ورقاء وهو مع
المهلب ، فبعثه على ذلك الجيش ، فاجتمعوا خمسين ألفا ، ومع
شبيب ألف رجل ، فخرج في ستمائة ، وتخلف عنه أربعمائة ، فقال: قد تخلف عنا من لا يحب أن يرى فينا .
ثم عبى أصحابه ، وحمل على الميمنة ففضها ، وانهزمت الميسرة ، وكان
عتاب في القلب
وزهرة جالسا معه ، فغشيهم ، فطعن
عتاب بن ورقاء ، ووطئت الخيل
زهرة ، وجاءه
الفضل بن عامر الشيباني فقتله ، وتمكن
شبيب من العسكر ، وحوى ما فيه ، فقال: ارفعوا عنهم السيف ، ثم دعا إلى البيعة فبايعه الناس من ساعتهم وهربوا تحت الليل ، فأقام
شبيب يومين ، وبعث إلى أخيه فأتاه من
المدائن ، ثم أقبل إلى
الكوفة ، وبعث
الحجاج إليه جيشا فهزمهم ، وجاء
شبيب حتى ابتنى مسجدا في أقصى
السبخة ، فلما كان في اليوم الثالث أخرج
الحجاج مولاه
أبو الورد عليه تجفاف ، وأخرج مجففة كثيرة ، جعلهم على هيئة الغلمان له ، وقالوا: هذا
الحجاج ، فحمل عليه
شبيب فقتله ، وقال: إن كان هذا
الحجاج فقد أرحتكم منه . ثم أخرج إليه غلاما آخر فقتله .
ثم خرج
الحجاج وقت ارتفاع النهار من القصر ، فقال: ائتوني ببغل أركبه إلى
السبخة ، فأتوه ، فلما نظر إلى
السبخة وإلى
شبيب وأصحابه نزل ، وكان
شبيب في ستمائة فارس ، فقعد
الحجاج على كرسي ، وأخذ يمدح أهل
الشام ويقول: أنتم أهل السمع والطاعة ، فلا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم ، غضوا الأبصار واجثوا على الركب ، واستقبلوا القوم بأطراف الأسنة .
فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم حمل
شبيب بجميع أصحابه ، ونادى
الحجاج بجماعة الناس ، فوثبوا في وجهه ، فما زالوا يطعنون ويضربون ، فنادى
شبيب: يا أولياء الله ، الأرض ، ثم نزل وأمر أصحابه ، فنزل بعضهم ، فقال
خالد بن عتاب: ائذن لي في قتالهم ، فإني موتور ، وأنا ممن لا يتهم في نصيحته ، فقال: قد أذنت ، فأتاهم من
[ ص: 189 ] ورائهم ، فقتل
مصادا أخا
شبيب ، وغزالة امرأة
شبيب . وجاء الخبر إلى
الحجاج ، فقال لأهل
الشام: شدوا عليهم فقد أتاهم ما أرعب قلوبهم ، فشدوا عليهم فهزموهم .
وتخلف
شبيب في حامية الناس ، ثم عبر على الجسر وقطعه .
وفي رواية: أن
غزالة امرأة
شبيب نذرت أن تصلي في مسجد
الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران ، فدخل بها
شبيب الكوفة فوفت بنذرها .
ولما رحل
شبيب بعث
الحجاج حبيب بن عبد الرحمن الحكمي في أثره في ثلاثة آلاف من أهل
الشام ، وقال له: حيث ما لقيته فنازله ، وبعث
الحجاج إلى العمال أن دسوا إلى أصحاب
شبيب أن من جاءنا منهم فهو آمن ، فكان كل من ليست له تلك البصيرة ممن قد هده القتال يجيء فيؤمن ، فتفرق عنه ناس كثير من أصحابه ، وبلغ
شبيبا أن
عبد الرحمن بالأنبار ، فأقبل بأصحابه فبيتهم فما قدر عليهم بشيء لأنهم قد احترزوا ، وجرت مقتلة وسقطت أيد ، وفقئت أعين ، فقتل من أصحاب
شبيب نحو من ثلاثين ، ومن الآخرين نحو من مائة ، فمل الفريقان بعضهم بعضا من طول القتال ، ثم انصرف عنهم
شبيب وهو يقول لأصحابه: ما أشد هذا الذي بنا ، لو كنا إنما نطلب الدنيا ، وما أيسر هذا في جانب ثواب الله -عز وجل- ثم حدث أصحابه ، فقال: قتلت أمس منهم رجلين أحدهما أشجع الناس ، والآخر أجبن الناس ، خرجت عشية أمس طليعة لكم فلقيت منهم ثلاثة نفر دخلوا القرية يشترون منها حوائجهم ، فاشترى أحدهم حاجته ثم خرج قبل أصحابه وخرجت معه ، فقال لي: أتشتري علفا ، فقلت: إن لي رفقاء قد كفوني ذلك ، أين ترى عدونا هذا؟ فقال: قد بلغني أنه نزل قريبا منا ، وأيم الله لوددت أني قد لقيت شبيبهم هذا ، قلت فتحب ذلك ، قال: نعم ، قلت: فخذ حذرك فأنا والله
شبيب ، فانتضيت سيفي ، فخر والله ميتا وانصرفت ، فلقيت الآخر خارجا من القرية ، فقال لي:
أين تذهب الساعة؟ وإنما يرجع الناس إلى عسكرهم ، فلم أكلمه ، ومضيت فتبعني حتى لحقني فعطفت عليه ، فقلت له: ما لك؟ فقال: أنت والله عدونا؟ فقلت: أجل
[ ص: 190 ] والله ، فقال: والله لا تبرح حتى تقتلني أو أقتلك ، فحملت عليه وحمل علي فاضطربنا بسيفنا ساعة ، فو الله ما فضلته في شدة نفس ولا إقدام إلا أن سيفي كان أقطع من سيفه ، فقتلته .