وفي هذه السنة هلك شبيب الخارجي
في قول
هشام بن محمد وقال غيره: كان هلاكه في سنة ثمان وسبعين . والسبب في هلاكه أن
الحجاج أمر
سفيان بن الأبرد أن يسير إلى
شبيب ، وكان
شبيب قد أقام
بكرمان حتى انجبر واستراش هو وأصحابه ، ثم أقبل راجعا فاستقبله
سفيان بجسر دجيل الأهواز ، وكان
الحجاج قد كتب إلى
الحكم بن أيوب ، وهو زوج بنت
الحجاج وعامله على
البصرة في أربعة آلاف إلى
شبيب ، ومره فليلحق
[بسفيان بن الأبرد ، وليسمع له وليطع .
فبعث إليه
زياد بن عمرو العتكي في أربعة آلاف ، فلم ينته إلى
سفيان حتى التقى]
سفيان بشبيب بجسر دجيل ، فعبر
شبيب إلى
سفيان فاقتتلوا ، وكر
شبيب عليهم أكثر من ثلاثين كرة ، فجالدهم أصحاب
سفيان حتى اضطروهم إلى الجسر ، فنزل
شبيب ونزل معه نحو من مائة ، فاقتتلوا حتى المساء ، فدعا
سفيان الرماة ، فقال: ارشقوهم بالنبل ، فركب
شبيب وأصحابه وكروا على أصحاب النبل كرة صرعوا منهم أكثر من ثلاثين ، ثم عطف خيله على الناس ، فطاعنوه حتى اختلط الظلام ثم انصرف عنهم . وقد أحب الناس انصرافه لما يلقون منه ، فلما أراد العبور نزل حافر فرسه عن جنب السفينة ، فسقط في الماء فقال:
ليقضي الله أمرا كان مفعولا .
فارتمس في الماء ، ثم ارتفع فقال:
ذلك تقدير العزيز العليم .
[ ص: 191 ]
وفي رواية : أنه كان معه قوم لم يكن لهم تلك البصيرة النافذة ، وقد كان قد قتل من عشائرهم خلقا كثيرا ، فأوجع بذلك قلوبهم ، فلما تخلف في أواخر أصحابه حين العبور قال بعضهم لبعض: هل لكم أن نقطع به الجسر فندرك ثأرنا الساعة ، فقطعوا الجسر فمالت السفن ، ففزع الفرس ونفر ، فوقع في الماء .
والحديث الأول هو المشهور ، وجاء صاحب الجسر إلى
سفيان فقال: إن رجلا منهم وقع في الماء ، فتنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين وانصرفوا وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد ، فكبر
سفيان ثم أقبل حتى انتهى إلى الجسر ، وبعث
مهاجر بن صيفي ، فعبر إلى عسكرهم فإذا ليس فيه منهم صافر ولا آثر ، فنزل فيه فإذا أكثر خلق الله خيرا .
فاستخرجوا
شبيبا وعليه الدرع ، فزعموا أنه شق عن بطنه فأخرج قلبه ، فكان مجتمعا صلبا كأنه صخرة ، وإنه كان يضرب به الأرض فيثب قامة الإنسان .
وكان لما نعي إلى أمه وقيل قتل ، لم تصدق ، فلما قيل لها: إنه غرق ، صدقت وقالت: إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار ، فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء .
وقد روى
أبو مخنف ، عن
فروة بن لقيط: أن
يزيد بن نعيم أبا
شبيب كان ممن دخل في جيش
سلمان بن ربيعة إذ بعث به
الوليد بن عقبة على أمر
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان إياه بذلك مددا لأهل
الشام إلى أرض
الروم ، فلما قفل المسلمون أقيم السبي للبيع ، فرأى
يزيد بن نعيم جارية حمراء ، لا شهلاء ، ولا زرقاء ، طويلة جميلة ، تأخذها العين ، فابتاعها وذلك سنة خمس وعشرين أول السنة ، فلما أدخلها
الكوفة قال: أسلمي ، فأبت فضربها فلم تزدد إلا عصيانا ، فأمر بها فأصلحت له ، ثم أدخلت عليه ، فلما تغشاها حملت فولدت له
شبيبا في ذي الحجة يوم النحر ، وكان يوم السبت ، وأسلمت قبل أن تلده وقالت: إني قد رأيت في النوم أنه خرج من قبلي شهاب نار فسطع حتى بلغ السماء والآفاق كلها ، فبينا هو كذلك إذ وقع في ماء كثير جار ، فخبا ، وقد ولدته في يومكم هذا
[ ص: 192 ] الذي تهريقون فيه الدماء ، وإني قد أولت رؤياي هذه أني أرى ولدي سيكون صاحب دماء يهريقها ، وإني أرى أمره سيعلو ويعظم .