صفحة جزء
[قصة عمر مع ختنه وأخته رضي الله عنهم]

وأخرج ابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أنس - رضي الله عنه - قال:) خرج عمر متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال: أين تعمد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمدا، قال: وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال: ما أراك إلا قد صبوت، قال: أفلا أدلك على العجب ; إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك!!.

فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب، فلما سمع بحس عمر.. توارى في البيت، فدخل، فقال: ما هذه الهينمة؟ وكانوا يقرءون «طه»، قالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبوتما؟ ! فقال له ختنه: يا عمر ; إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عليه عمر، فوطأه وطأ شديدا، فجاءت أخته، لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمي وجهها، فقالت، وهي غضبى: [ ص: 211 ] وإن كان الحق في غير دينك؟ إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه - وكان عمر يقرأ الكتاب - فقالت أخته: إنك رجس، وإنه لا يمسه إلاالمطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ، ثم أخذ الكتاب، فقرأ: طه حتى انتهى إلى: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج، فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللهم ; أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام ».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الدار التي في أصل الصفا، فانطلق عمر حتى أتى الدار، وعلى بابها حمزة وطلحة وناس، فقال حمزة: هذا عمر، إن يرد الله به خيرا... يسلم، وإن يرد غير ذلك... يكن قتله علينا هينا، قال: والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال: «ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة؟ !» فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله).

وأخرج البزار، والطبراني، وأبو نعيم في «الحلية»، والبيهقي في «الدلائل» عن أسلم قال: قال لنا عمر: (كنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة في بعض طريق مكة.. إذ لقيني رجل، فقال: عجبا لك يا ابن الخطاب، إنك تزعم أنك وأنك وقد دخل عليك الأمر في بيتك!! قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: عمر، فتبادروا فاختفوا مني وقد كانوا يقرءون صحيفة بين أيديهم تركوها أو نسوها، فقامت أختي تفتح [ ص: 212 ] الباب، فقلت: يا عدوة نفسها، أصبوت؟ وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم وبكت، فقالت: يا ابن الخطاب; ما كنت فاعلا... فافعل ; فقد صبوت.

قال: ودخلت حتى جلست على السرير فنظرت إلى الصحيفة، فقلت: ما هذا؟ ناولينيها، قالت: لست من أهلها، أنت لا تطهر من الجنابة، وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون، فما زلت بها حتى ناولتنيها ففتحتها ; فإذا فيها: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فلما مررت باسم من أسماء الله تعالى.. ذعرت منه، فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها ; فإذا فيها: سبح لله ما في السماوات وما في الأرض فذعرت، فقرأت إلى: بالله ورسوله فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، فخرجوا إلي متبادرين وكبروا، وقالوا: أبشر ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال: «اللهم ; أعز دينك بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل وإما عمر». ودلوني على النبي صلى الله عليه وسلم في بيت بأسفل الصفا.

فخرجت حتى قرعت الباب، فقالوا: من؟ قلت: ابن الخطاب، وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما اجترأ أحد يفتح الباب ; حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افتحوا له». ففتحوا لي، فأخذ رجلان بعضدي حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خلوا عنه»، ثم أخذ بمجامع قميصي وجذبني إليه، ثم قال: «أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده». فتشهدت، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين، فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب ويضرب إلا رأيته.. ولا يصيبني من ذلك شيء، فجئت خالي - وكان شريفا - فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب وقد صبوت، قال: لا تفعل، ثم دخل وأجاف الباب دوني، فقلت: ما هذا بشيء، فذهبت إلى رجل من عظماء قريش، فناديته فخرج إلي، فقلت له مثل مقالتي لخالي، وقال لي مثل ما قال خالي، فدخل وأجاف الباب دوني، فقلت: ما هذا بشيء، إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب!!.

فقال لي رجل: أتحب أن يعلم بإسلامك؟ قلت: نعم، قال: فإذا جلس [ ص: 213 ] الناس في الحجر.. فأت فلانا - لرجل لم يكن يكتم السر - فقل له فيما بينك وبينه: إني قد صبوت ; فإنه قل ما يكتم السر، فجئت وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما بيني وبينه: إني قد صبوت قال: أوقد فعلت؟ قلت: نعم. فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، فبادروا إلي، فما زلت أضربهم ويضربوني، واجتمع علي الناس، قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر قد صبأ، فقام على الحجر فأشار بكمه: ألا إني قد أجرت ابن أختي، فتكشفوا عني، فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته، فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني، فأتيت خالي فقلت: جوارك رد عليك، فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام).

التالي السابق


الخدمات العلمية