الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 269 ] حكم اللعن ، ولعن المعين ) .

ويجوز لعن الكفار عاما ، وهل يجوز لعن كافر معين ؟ على روايتين قال الشيخ تقي الدين : ولعن تارك الصلاة على وجه العموم جائز ، وأما لعنه المعين ، فالأولى تركها ; لأنه يمكن أن يتوب .

وقال في موضع آخر : قيل : لأحمد ابن حنبل أيؤخذ الحديث عن يزيد فقال : لا ولا كرامة أو ليس هو فعل بأهل المدينة ما فعل ؟ وقيل له : إن أقواما يقولون : إنا نحب يزيد فقال : وهل يحب يزيد من يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ فقيل له : أو لا تلعنه ؟ فقال : متى رأيت أباك يلعن أحدا .

وقال الشيخ تقي الدين أيضا في موضع آخر في لعن المعين من الكفار من أهل القبلة وغيرهم ، ومن الفساق بالاعتقاد ، أو بالعمل : لأصحابنا فيها أقوال ( أحدها : ) أنه لا يجوز بحال ، وهو قولي أبي بكر وعبد العزيز ( والثاني : ) يجوز في الكافر دون الفاسق ( والثالث ) يجوز مطلقا قال ابن الجوزي : في لعنة يزيد أجازها العلماء الورعون منهم أحمد بن حنبل ، وأنكر ذلك عليه الشيخ عبد المغيث الحربي ، وأكثر أصحابنا ، لكن منهم من بنى الأمر على أنه لم يثبت فسقه ، وكلام عبد المغيث يقتضي ذلك ، وفيه نوع انتصار ضعيف ، ومنهم من بنى الأمر على أن لا يلعن الفاسق المعين ، وشنع ابن الجوزي على من أنكر استجازة ذم المذموم ، ولعن الملعون كيزيد .

قال : وقد ذكر أحمد في حق يزيد ما يزيد على اللعنة ، وذكر رواية مهنا سألت أحمد عن يزيد ، فقال : هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل . قلت : فيذكر عنه الحديث ؟ قال : لا يذكر عنه الحديث لا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثا . قلت :

ومن كان معه حين فعل ؟ فقال : أهل الشام ، قال الشيخ تقي الدين : هذا أكثر ما يدل على الفسق لا على لعنة المعين .

وذكر ابن الجوزي : ما ذكره القاضي في المعتمد من رواية صالح [ ص: 270 ] وما لي لا ألعن من لعنه الله عز وجل في كتابه . إن صحت الرواية قال : وقد صنف القاضي أبو الحسين كتابا في بيان من يستحق اللعن ، وذكر فيهم يزيد قال : وقد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب معشار عشر ما فعل يزيد ، وذكر الفعل العام كلعن الوامصة وأمثاله ، وذكر رواية أبي طالب سألت أحمد بن حنبل عمن قال : لعن الله يزيد بن معاوية . فقال : لا تكلم في هذا ، الإمساك أحب إلي .

قال ابن الجوزي : هذه الرواية تدل على اشتغال الإنسان بنفسه عن لعن غيره . والأولى على جواز اللعنة كما قلنا في تقديم التسبيح على لعنة إبليس ، وسلم ابن الجوزي أن ترك اللعن أولى ، وقد روى مسلم عن أبي هريرة قال : قيل : يا رسول الله ادع الله على المشركين قال : { إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة } قال ابن الجوزي : وقد لعن أحمد بن حنبل من يستحق اللعن . فقال في رواية مسدد : قالت الواقفية الملعونة ، والمعتزلة الملعونة .

وقال عبيد الله بن أحمد الحنبلي : سمعت أحمد بن حنبل يقول على الجهمية : لعنة الله ، وكان الحسن يلعن الحجاج ، وأحمد يقول : الحجاج رجل سوء .

قال الشيخ تقي الدين : ليس في هذا عن أحمد لعنة معين ، لكن قول الحسن نعم .

وقال ابن الجوزي قال الفقهاء : لا تجوز ولاية المفضول على الفاضل إلا أن يكون هناك مانع إما خوف فتنة ، أو يكون الفاضل غير عالم بالسياسة لحديث عمر في السقيفة ، وحديث أبي بكر في تولية عمر رضي الله عنهما وأجاب من قال : كان خارجيا بأن الخارجي من خرج على مستحق ، وإنما خرج الحسين رضي الله عنه لدفع الباطل وإقامة الحق .

وقال ابن الجوزي : نقلت من خط ابن عقيل قال : قال رجل : كان الحسين رضي الله عنه خارجيا ، فبلغ ذلك من قلبي ، فقلت : لو عاش إبراهيم رضي الله عنه [ ص: 271 ] صلح أن يكون نبيا ، فهب أن الحسن والحسين نزلا عن رتبة إبراهيم مع كونه سماهما ابنيه ، أو لا يصيب ولد ولده أن يكون إماما بعده ؟ فأما تسميته خارجيا وإخراجه عن الإمامة لأجل صولة بني أمية هذا ما لا يقتضيه عقل ولا دين ، قال ابن عقيل : ومتى حدثتك نفسك وفاء الناس فلا تصدق ، هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس حقوقا على الخلق إلى أن قال : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } .

فقتلوا أصحابه وأهلكوا أولاده ، وقال الشيخ تقي الدين : فقد جوز ابن الجوزي الخروج على غير العادل ، وفسر ابن عقيل الآية بالتفسير المرجوح .

وفي البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم } وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد في خلافة أبيه معاوية ، وكان في الجيش أبو أيوب الأنصاري ، قال الشيخ تقي الدين : والجيش عدد معين لا مطلق ، وشمول المغفرة لآحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد واحد من الظالمين ، فإن هذا حصر ، والجيش معينون ويقال : إن يزيد إنما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث .

وقال القاضي في المعتمد : من حكمنا بكفرهم من المتأولين وغيرهم ، فجائز لعنتهم نص عليه ، وذكر أنه قال في اللفظية على من جاء بهذا : لعنة الله عليه ، غضب الله ، وذكر أنه قال عن قوم معينين : هتك الله الخبيث ، وعن قوم : أخزاه الله .

وقال في آخر : ملأ الله قبره نارا . قال الشيخ تقي الدين : لم أره نقل لعنة معينة إلا لعنة نوع ، أو دعاء على معين بالعذاب ، أو سبا له لكن قال القاضي : لم يفرق بين المطلق ، والمعين ، وكذلك جدنا أبو البركات . قال القاضي : فأما فساق أهل الملة بالأفعال كالزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وقتل النفس ، ونحو ذلك ، فهل يجوز لعنهم أم لا ؟ فقد توقف أحمد عن ذلك في رواية صالح قلت لأبي : الرجل يذكر عنده الحجاج أو غيره يلعنه ؟ فقال : لا يعجبني لو عم فقال : ألا لعنة الله على الظالمين . [ ص: 272 ]

وقال أبو طالب : سألت أحمد عن من نال يزيد بن معاوية قال : لا تكلم في هذا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لعن المؤمن كقتله } قال فقد توقف عن لعنة الحجاج مع ما فعله ، ومع قوله : الحجاج رجل سوء ، وتوقف عن لعنة يزيد بن معاوية مع قوله في رواية مهنا ، وقد سأله عن يزيد بن معاوية فقال : هو الذي فعل بالمدينة ما فعل قتل بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهبها لا ينبغي لأحد أن يكتب حديثه .

قال أبو بكر الخلال في كتاب السنة الذي ذكره أبو عبد الله في التوقف في اللعنة ففيه أحاديث كثيرة لا تخفي على أهل العلم ، ويتبع قول الحسن وابن سيرين فهما الإمامان في زمانهما ، ويقول : لعن الله من قتل الحسين بن علي ، لعن الله من قتل عثمان ، لعن الله من قتل عليا ، لعن الله من قتل معاوية بن أبي سفيان ، ونقول : لعنة الله على الظالمين إذا ذكر لنا رجل من أهل الفتن على ما تقلده أحمد .

قال القاضي فقد صرح الخلال باللعنة قال : قال أبو بكر عبد العزيز فيما وجدته في تعاليق أبي إسحاق : ليس لنا أن نلعن إلا من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الإخبار عنه .

قال الشيخ تقي الدين المنصوص عن أحمد الذي قرره الخلال اللعن المطلق العام لا المعين كما قلنا في نصوص الوعيد والوعد ، وكما نقول في الشهادة بالجنة والنار ، فإنا نشهد بأن المؤمنين في الجنة ، وأن الكافرين في النار [ ص: 273 ] ونشهد بالجنة والنار لمن شهد له الكتاب والسنة ، ولا نشهد بذلك لمعين إلا من شهد له النص ، أو شهد له الاستفاضة على قول ، فالشهادة في الخبر كاللعن في الطلب ، والخبر والطلب نوعا الكلام ، ولهذا قال النبي : صلى الله عليه وسلم { إن الطعانين واللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة } ، فالشفاعة ضد اللعن كما أن الشهادة ضد اللعن وكلام الخلال يقتضي أنه لا يلعن المعينين من الكفار ، فإنه ذكر قاتل عمر ، وكان كافرا ، ويقتضي أنه لا يلعن المعين من أهل الأهواء ، فإنه ذكر قاتل علي ، وكان خارجيا .

ثم استدل القاضي للمنع بما جاء من ذم اللعن ، وأن هؤلاء ترجى لهم المغفرة ، ولا تجوز لعنتهم ; لأن اللعن يقتضي الطرد والإبعاد بخلاف من حكم بكفره من المتأولين ، فإنهم مبعدون من الرحمة كغيرهم من الكفار ، واستدل على جواز ذلك ، وإطلاقه بالنصوص التي جاءت في اللعن وجميعها مطلقة كالراشي والمرتشي ، وآكل الربا وموكله ، وشاهديه ، وكاتبيه .

قال الشيخ تقي الدين : فصار للأصحاب في الفساق ثلاثة أقوال ( أحدها : ) المنع عموما وتعينا إلا برواية النص . ( والثاني ) : إجازتها . ( والثالث : ) التفريق وهو المنصوص ، لكن المنع من المعين هل هو منع كراهة أو منع تحريم ؟ ثم قال في الرد على الرافضي لا يجوز واحتج بنهيه عليه السلام عن لعنة الرجل الذي يدعى حمارا .

وقال هنا ظاهر كلامه الكراهة ، وبذلك فسره القاضي فيما بعد لما ذكر قول أحمد : لا تعجبني لعنة الحجاج ونحوه لو عم فقال : ألا لعنة الله على الظالمين .

قال القاضي : فقد كره أحمد لعن الحجاج قال : ويمكن أن يتأول توقف أحمد عن لعنة الحجاج ونظرائه ( أنه ) كان من الأمراء فامتنع من ذلك من وجهين ( أحدهما : ) نهي جاء عن لعنة الولاة خصوصا ( الثاني : ) أن لعن الأمراء ربما أفضى إلى الهرج ، وسفك الدماء والفتن ، وهذا المعنى معدوم في غيرهم .

[ ص: 274 ] قال الشيخ تقي الدين : والذين اتخذوا أئمة في الدين من أهل الأهواء هم أعظم من الأمراء عند أصحابهم ، وقد يفضي ذلك إلى الفتن . وذكر يعني القاضي ما نقله من خط أبي حفص العكبري أسنده إلى صالح بن أحمد قلت لأبي : إن قوما ينسبون إلي تولي يزيد ، فقال : يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ؟ فقلت : ولم لا تلعنه ؟ فقال : ومتى رأيتني ألعن شيئا ؟ لم لا نلعن من لعنه الله عز وجل في كتابه ؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟ فقرأ : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .

فهل يكون في قطع الرحم أعظم من القتل ؟ قال القاضي : وهذه الرواية إن صحت فهي صريحة في معنى لعن يزيد قال الشيخ تقي الدين : الدلالة مبنية على استلزام المطلق للمعين انتهى كلامه .

وقال في مكان آخر : وقد نقل عن أحمد لعنة أقوام معينين من دعاة أهل البدع ، ولهذا فرق من فرق من الأصحاب بين لعنة الفاسق بالفعل ، وبين دعاة أهل الضلال إما بناء على تكفيرهم ، وإما بناء على أن ضررهم أشد ، ومن جوز لعنة المبتدع المكفر معينا ، فإنه يجوز لعنة الكافر المعين بطريق الأولى ، ومن لم يجوز أن يلعن إلا من ثبت لعنه بالنص ، فإنه لا يجوز لعنة الكافر المعين ، فمن لم يجوز إلا لعن المنصوص يرى أن لا يجوز ذلك لا على وجه الانتصار ولا على وجه الجهاد ، وإقامة الحدود كالهجرة ، والتعزير والتحذير .

وهذا مقتضى حديث أبي هريرة الذي في الصحيح [ ص: 275 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو لأحد ، أو على أحد قنت بعد الركوع . وقال فيه : اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب } حتى نزلت : { ليس لك من الأمر شيء } .

قال : وكذلك من لم يلعن المعين من أهل السنة ، أو من أهل القبلة ، أو مطلقا ، وأما من جوز لعنة الفاسق المعين على وجه البغض في الله عز وجل ، والبراءة منه والتعزير ، فقد يجوز ذلك على وجه الانتصار أيضا ، ومن يرجح المنع من لعن المعين ، فقد يجيب عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد أجوبة ثلاثة إما بأن ذلك منسوخ كلعن من لعن في القنوت على ما قاله أبو هريرة ، وإما أن ذلك مما دخل في قوله : { اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ، فأيما مسلم سببته أو لعنته ، وليس كذلك فاجعل ذلك له صلاة وزكاة ورحمة تقربه بها إليك يوم القيامة } .

لكن قد يقال : هذا الحديث لا يدل على تحريم اللعنة ، وإنما يدل أنه يفعلها باجتهاده بالتعزير فجعل هذا الدعاء دافعا عمن ليس لها بأهل ، وإما أن يقال : اللعن من النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بالنص فقد يكون اطلع على عاقبة الملعون ، وقد يقال : الأصل مشاركته في الفعل ، ولو كان لا يلعن إلا من علم أنه من أهل النار لما قال : { إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ، فأيما مسلم سببته ، أو شتمته ، أو لعنته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة } .

فهذا يقتضي أنه كان يخاف أن يكون لعنه بما يحتاج أن يستدرك بما يقابله من الحسنات ، فإنه معصوم ، والاستدراك بهذا الدعاء يدفع ما يخافه من إصابة دعائه لمن لا يستحقه ، وإن كان باجتهاد ، إذ هو باجتهاده الشرعي معصوم لأجل التأسي به .

وقد يقال : نصوص الفعل تدل على الجواز للظالم كما يقتضي ذلك القياس ، فإن اللعنة هي البعد عن رحمة الله ، ومعلوم أنه يجوز أن يدعى عليه من العذاب بما يكون مبعدا عن رحمة الله عز وجل في بعض المواضع كما تقدم ، فاللعنة أولى أن تجوز ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن لعن من علم أنه يحب الله ورسوله ، فمن علم أنه مؤمن في الباطن يحب الله ورسوله لا يلعن ; لأن هذا مرحوم بخلاف من لا يكون كذلك انتهى كلامه . [ ص: 276 ]

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : { استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ، فقالت عائشة رضي الله عنها : عليكم السام واللعنة . فقال : يا عائشة إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر قالت : ألم تسمع ما قالوا ؟ قال : قد قلت : وعليكم } وللبخاري في رواية { : إن الله رفيق } ، وفيهما أيضا { أن عائشة قالت : بل عليكم السام والذام ، فقال : يا عائشة لا تكوني فاحشة . فقلت : ما سمعت ما قالوا ؟ فقال : أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا ؟ قلت : وعليكم } .

وفي لفظ { مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش والتفحش } وأنزل الله عز وجل : { وإذا جاءوك حيوك } .

الذام بالذال المعجمة ، وتخفيف الميم الذم روي بالدال المهملة ، ومعناه الدائم . وللبخاري عن عائشة رضي الله عنها { أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ، فقالت عائشة : عليكم لعنة الله وغضب الله عليكم . قال : مهلا يا عائشة عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش } ولهما أو لمسلم من حديث جابر { إنا نجاب عليهم ، ولا يجابون علينا } قال في شرح مسلم فيه الانتصار من الظالم ، وفيه الانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم انتهى كلامه .

والاستدلال بهذا الخبر في جواز لعنة المعين وعدمه محتمل .

وللبخاري من حديث عمر رضي الله عنه { أن رجلا كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حمارا ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلده . فقال رجل من القوم : اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله } خرجه البخاري في باب ما يكره من لعن شارب الخمر ، وإنه ليس بخارج عن الملة ، فهذا ظاهر الدلالة .

ولمسلم من حديث بريدة { أن خالد بن الوليد لما رمى المرجومة بحجر ، فنضح الدم على وجهه فسبها ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له } . [ ص: 277 ]

قال في النهاية : اللعن من الله عز وجل الطرد والإبعاد ومن الخلق السب والدعاء انتهى كلامه ، فظاهره جواز السب لولا التوبة .

وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه فمنا من يضربه بيده ، ومنا من يضربه بثوبه ، ومنا من يضربه بنعله ، فلما انصرف قال رجل من القوم : ما له أخزاه الله ؟ فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم } ، وفي لفظ له { قال بعض القوم : أخزاك الله قال : لا تقولوا هكذا ، ولا تعينوا عليه الشيطان } ، وفي النهاية قاتل الله اليهود أي : قتلهم ، وقيل : لعنهم قيل : عاداهم .

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بلغه عن سمرة أنه باع خمرا ، فقال : قاتله الله . لكن ذكر في النهاية أنه من الدعاء الذي لا يقصد كقوله : تربت يداك .

وفي الصحيحين في قنوته عليه الصلاة والسلام للنازلة { اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية } . قال في شرح مسلم فيه جواز لعن الكفار ، وطائفة معينة منهم .

وفي فنون ابن عقيل حلف رجل بالطلاق الثلاث أن الحجاج في النار فسأل فقيها فقال الفقيه أمسك زوجتك ، فإن الحجاج إن لم يكن مع أفعاله في النار ، فلا يضرك الزنا .

ويجوز لعن من ورد النص بلعنه ، ولا يأثم عليه في تركه ، ويجب إنكار البدع المضلة ، وإقامة الحجة على إبطالها سواء قبلها قائلها ، أو ردها ، ذكره في الرعاية ، وقد مر قال ابن عقيل في الفنون لا يصح ابتياع الخمر ليريقها ، ويصح ابتياع كتب الزندقة ليحرقها ذكره الشيخ تقي الدين في مسودة شرح المحرر ، ولم يزد عليه ، ثم وجدته في الفنون قال : لأن في الكتب مالية الورق انتهى كلامه . ويتوجه قول : أنه يجوز لأنه استنقاذ كشراء الأسير .

وكأن ابن عقيل إنما حكى ذلك عن غيره ، فإن لفظه قيل لحنبلي : أيجوز شراء الخمر لإراقته قال : لا ، قلت : فكتب الزندقة للتمزيق ؟ قال : نعم ، قيل : فما الفرق ؟ قال : في الكتب مالية الورق . [ ص: 278 ]

قال حنبلي جيد الفهم : هذا باطل بآلة اللهو ، فإن فيها أخشابا ووترا ، ولا يصح بيعها بما فيها من التأليف الذي أسقط حكم مالية الآلة حتى لو أحرقت لم يضمن فهلا أسقطت حكم مالية الورق كما أسقطت حكم مالية الخشب ؟ وقال في الرعاية : ويصح أن يشتري كتب الزندقة ، ونحوها ليتلفها فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية