فصل ( في
التزام المشورة في الأمور كلها ومعنى قوله تعالى {
وشاورهم في الأمر } ) .
قال
المروذي : كان
أبو عبد الله لا يدع المشورة إذا كان في أمر حتى إن كان ليشاور من هو دونه ، وكان إذا أشار عليه من يثق به أو أشار عليه من لا يتهمه من أهل النسك من غير أن يشاوره قبل مشورته وكان إذا شاوره الرجل اجتهد له رأيه وأشار عليه بما يرى من صلاح ، وظاهر هذا أنه يشاور في كل ما يهم به ، ويأتي بالقرب من نصف الكتاب بعد ذكر حسن الخلق والحياء وغير ذلك قبل ذكر الزهد الكلام على قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه : كل شيء من الخير يبادر به ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال في الأدب كراهة العجلة ونحو ذلك ، وسبق من نحو نصف كراسة الكلام في النصح . قال : قال :
ابن الجوزي في قوله تعالى : {
وشاورهم في الأمر } .
[ ص: 324 ] معناه : استخرج آراءهم واعلم ما عندهم ، ويقال إنه من شار العسل وأنشدوا :
وقاسمها بالله حقا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : يقال شاورت الرجل مشاورة وشوارا وما يكون عن ذلك اسم المشورة ، وبعضهم يقول : المشورة ويقال فلان حسن الصورة والمشورة ، أي : حسن الهيئة واللباس ، ومعنى قولهم : شاورت فلانا أظهرت ما عندي وما عنده ، وشرت الدابة ، إذا امتحنتها فعرفت هيئتها في سيرها ، وشرت العسل إذا أخذته من مواضع النحل ، وعسل مشار .
وقال
الأعشى : كأن القرنفل والزنجبيل باتا بفيها وأريا مشارا
والأري العسل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري في الصحاح : أشار إليه باليد أومأ وأشار عليه بالرأي ، وشرت العسل واشترتها اجتنيتها وأشرت لغة ، وأنكرها
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي وشرت الدابة شورا عرضتها على البيع أقبلت بها وأدبرت ، والمكان الذي يعرض فيه الدواب مشوار ، يقال إياك والخطب فإنها مشوار كثير العثار ، وأشارت الإبل إذا سمنت بعض السمن ، يقال جاءت الإبل شيارا ، أي : سمانا حسانا ، وقد أشار
الفرس أي : سمن ، وحسن والمشورة الشورى وكذلك المشورة بضم الشين تقول منه شاورته في الأمر واستشرته بمعنى ، والمستشير السمين وقد استشار البعير مثل استشار أي : سمن ، والشوار : فرج المرأة والرجل ، ومنه قيل شور به أي : كأنه أبدى عورته ويقال أبدى الله شواره أي عورته ، والشوار ، والشارة اللباس والهيئة ، وشورت الرجل فتشور أي : خجلته فخجل ، وشور إليه بيده أي : أشار . عن
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت وهو رجل حسن الصورة والشورة ، وإنه لصير شير ، أي : حسن الصورة والشارة
[ ص: 325 ] وهي الهيئة عن
الفراء وفلان خير شير أي : يصلح للمشاورة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : الأري هو العسل وعمل النحل أري أيضا ، وقد أرت النحل تأري أريا عملت العسل والله سبحانه أعلم .
قال
ابن الجوزي : اختلف العلماء رضي الله عنهم لأي معنى أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم : بمشاورة أصحابه رضي الله عنهم مع كمال رأيه وتدبيره فقيل ليستن به من بعده ، قاله
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة وقيل لتطيب قلوبهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة والربيع nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه عنه : نظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13911 : البكر تستأمر في نفسها } إنما أراد استطابة نفسها فإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها ، وكذلك مشاورة
إبراهيم عليه السلام لابنه حين أمر بذبحه وقيل للإعلام بتركه المشاورة ، قاله
الضحاك .
قال
ابن الجوزي : ومن
فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه ومنها أنه قد يعزم على أمر يتبين له الصواب في قول غيره فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه ، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم .
وقال بعض الحكماء : ما استنبط الصواب بمثل المشاورة ، ولا حصنت النعم بمثل المواساة ، ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر .
واعلم أنه إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما لم يأته به وحي وعمهم
[ ص: 326 ] بالذكر والمقصود : أرباب الفضل والتجارب منهم وفي الذي أمر بمشاورتهم فيه قولان حكاهما
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى أحدهما : أمر الدنيا خاصة ( والثاني ) أمر الدنيا والدين وهو أصح .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ( وشاورهم في بعض الأمر ) قال تعالى : {
فإذا عزمت فتوكل على الله } . أي : لا على المشاورة ، والعزم عقد القلب على الشيء يريد أن يفعله ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قرأ ( في بعض الأمر ) وأن الأمر هنا جنس وهو عام يراد به الخاص وقرأ جماعة ( عزمت ) بضم التاء أي : إذا أمرتك بفعل شيء فتوكل ، فوضع الظاهر موضع المضمر .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {
: ما تشاور قوم إلا هداهم الله عز وجل لأرشد أمورهم } والمروي عنه أيضا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33460لن يهلك امرؤ عن مشورة } والخبر المشهور {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15185المستشار مؤتمن } رواه
الترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وفي إسناده اضطراب . قال
الترمذي : غريب من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ورواه
الترمذي أيضا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=2737أبي الهيثم بن التيهان في الضيافة .
ورواه أيضا من حديثه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وهو حديث جيد الإسناد .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من رواية
شريك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
nindex.php?page=showalam&ids=12112أبي عمرو الشيباني عنه ،
شريك حديثه حسن .
قال
الحسن : إن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه حاجة منه .
[ ص: 327 ] إلى رأيهم ولكن أراد أن يعرفهم ما في المشورة من البركة وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
من نزل به أمر فشاور فيه من هو دونه تواضعا عزم له على الرشد } .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : شاور في أمرك من يخاف الله عز وجل . وقيل لرجل من
عبس ما أكثر صوابكم ؟ قال : نحن ألف وفينا واحد حازم ونحن نشاوره ونطيعه فصرنا ألف حازم ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : رأي الشيخ خير من مشهد الغلام وقال :
بزرجمهر حسب ذي الرأي ومن لا رأي له أن يستشير عالما ويطيعه . مر
حارثة بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=13669بالأحنف بن قيس فقال : لولا أنك عجلان لشاورتك في بعض الأمر قال : يا
حارثة أجل كانوا لا يشاورون الجائع حتى يشبع ، والعطشان حتى ينقع ، والأسير حتى يطلق ، والمضل حتى يجد ، والراغب حتى يمنح وكان يقال استشر عدوك العاقل ، ولا تستشر صديقك الأحمق ، فإن العاقل يتقي على رأيه الزلل كما يتقي الورع على دينه الحرج ، وكان يقال لا تدخل في رأيك بخيلا فيقصر فعلك ، ولا جبانا فيخوفك ما لا يخاف ، ولا حريصا فيبعدك عما لا يرجى .
وقال
سليمان بن داود عليهما السلام لابنه : يا بني ، لا تقطع أمرا حتى تشاور مرشدا ، فإنك إذا فعلت ذلك لم تندم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص : ما نزلت بي قط عظيمة فأبرمتها حتى أشاور عشرة من
قريش ، فإن أصبت كان الحظ لي دونهم ، وإن أخطأت لم أرجع على نفسي بلائمة .
وقال
بزرجمهر : أفره الدواب لا غنى به
[ ص: 328 ] عن السوط ، وأعقل الرجال لا غنى به عن المشورة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان : لأن أخطئ وقد استشرت أحب إلي من أن أصيب من غير مشورة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16819قتيبة بن مسلم : الخطأ مع الجماعة أحب إلي من الصواب مع الفرقة وإن كانت الجماعة لا تخطئ والفرقة لا تصيب . كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشير في الأمر حتى إن كان ربما استشار المرأة فأبصر في رأيها فضلا ، وكان يقال : من طلب الرخصة من الإخوان عند المشورة ، ومن الفقهاء عند الشبهة ، ومن الأطباء عند المرض ، أخطأ الرأي ، وحمل الوزر ، وازداد مرضا . قال الشاعر :
إن اللبيب إذا تفرق أمره فتق الأمور مناظرا ومشاورا
وأخو الجهالة يستبد برأيه فتراه يعتسف الأمور مخاطرا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9595إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه . } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ضعفه الأكثر وقال
العجلي : هو جائز الحديث ومراد الخبر إذا ظهر وجه المصلحة ، ويأتي استشارة المشركين في فضول الطلب بالقرب من نصف الكتاب وقبل ذلك ما يتعلق بالاستخارة بعد ما يتعلق بمكارم الأخلاق قبل ذكر الزهد .