[ ص: 441 ] فصل ( في
الحلال والحرام والمشتبه فيه وحكم الكثير والقليل من الحرام ) .
هل تجب
طاعة الوالدين في تناول المشتبه وهو ما بعضه حلال وبعضه حرام ؟ ينبني على مسألة تحريم تناوله وفيها أقوال في المذهب ( أحدهما ) التحريم مطلقا قطع به شرف الإسلام
عبد الوهاب في كتابه المنتخب ذكره قبيل باب الصيد . وعلل
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هناك لاختلاط الأموال لأخذه من غير جهته ووضعه في غير حقه قال
الأزجي في نهايته هو قياس المذهب كما قلنا في اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة ، وقدمه
nindex.php?page=showalam&ids=11851أبو الخطاب في الانتصار في مسألة اشتباه الأواني .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد لا يعجبني أن يأكل منه وقال
المروذي سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله عن
الذي يتعامل بالربا يؤكل عنده قال : لا ، قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف عند الشبهة . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14090الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام } .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه . .
وعن
الحسن بن علي مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=90882دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي والترمذي وصححه .
( والثاني ) إن زاد الحرام على الثلث حرم الأكل وإلا فلا ، قدمه في الرعاية لأن الثلث ضابط في مواضع ( والثالث ) إن كان الأكثر الحرام حرم وإلا فلا إقامة للأكثر مقام الكل ; لأن القليل تابع ، قطع به
ابن الجوزي في المنهاج وذكر الشيخ
تقي الدين أنه أحد الوجهين .
وقد نقل
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم وغير واحد عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فيمن ورث مالا ينبغي إن عرف شيئا بعينه أن يرده وإذا كان الغالب في ماله الفساد تنزه عنه أو نحو هذا ، ونقل عنه
حرب في الرجل يخلف مالا إن كان غالبه نهبا أو ربا ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه إلا أن يكون
[ ص: 442 ] يسيرا لا يعرف ، ونقل عنه أيضا
هل للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالا مضاربة ينفعهم وينتفع قال إن كان غالبه الحرام فلا .
( والرابع ) عدم التحريم مطلقا قل الحرام أو كثر وهو ظاهر ما قطع به وقدمه غير واحد لكن يكره ، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته .
قدمه
الأزجي وغيره وجزم به في المغني وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9929إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه وإن سقاه شرابا من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وروى جماعة من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16024سلمة بن كهيل عن
ذر بن عبد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن رجلا سأله فقال : لي جار يأكل الربا ولا يزال يدعوني قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري إن عرفته بعينه فلا تأكله : ومراد
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وكلامه لا يخالف هذا .
وروى جماعة من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق عن
الزبير بن الحارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان قال : إذا كان لك صديق عامل فدعاك إلى طعام فاقبله فإن مهنأه لك وإثمه عليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر : وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16556عدي بن أرطاة عامل
البصرة يبعث إلى
الحسن كل يوم بجفان ثريد فيأكل منها ويطعم أصحابه . وبعث
عدي إلى
الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين والحسن فقبل
الحسن والشعبي ورد
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين قال : وسئل
الحسن عن طعام الصيارفة فقال : قد أخبركم الله عن
اليهود والنصارى أنهم كانوا يأكلون الربا وأحل لكم طعامهم .
وقال
منصور : قلت
لإبراهيم النخعي عريف لنا يصيب من الظلم ويدعوني فلا أجيبه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم : للشيطان غرض بهذا ليوقع عداوة ، قد كان العمال يهمطون ويصيبون ، ثم يدعون فيجابون قلت : نزلت بعامل فنزلني وأجازني قال : اقبل قلت : فصاحب ربا قال : اقبل ما لم تره بعينه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري : الهمط الظلم والخبط يقال همط الناس فلان يهمطهم حقهم ، والهمط أيضا الأخذ بغير تقدير ، ولأن الأصل الإباحة وكما لو لم يتيقن محرما فإنه لا يحرم بالاحتمال وإن كان تركه أولى ، وقد احتج لهذا
[ ص: 443 ] بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3282أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى تمرة في الطريق فقال لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها } متفق عليه ، وفي هذا الاحتجاج بهذا نظر ، لكن إن قوي سبب التحريم فظنه فينبغي أن يكون حكم المسألة كآنية
أهل الكتاب وثيابهم ، وينبني على هذا الخلاف حكم معاملته وقبول ضيافته وهديته ونحو ذلك .
قال
ابن الجوزي بناء على ما ذكره : إنه يحرم الأكثر ويجب السؤال وإن لم يكن أكثر فالورع التفتيش ولا يجب ، فإن كان هو المسئول وعلمت أن له غرضا في حضورك وقبول هديته فلا تثق بقوله وينبغي أن تسأل غيره . انتهى كلامه .
وقد يكون ذلك عذرا في ترك الإجابة إلى الدعوة ولو قلنا بالكراهة كما صرح الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين أن ستر الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها غير صور الحيوان أن تكون عذرا في ترك الإجابة على رواية الكراهة ، وسبق هذا المعنى بعد فصول الأمر بالمعروف فيما للمسلم على المسلم ، وقد كره معاملة الجندي وإجابة دعوته ، وقد قال
المروذي قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله هل للوالدين طاعة في الشبهة ؟ فقال في مثل الأكل قلت : نعم قال ما أحب أن يقيم معهما عليها وما أحب أن يعصيهما ، يداريهما ، ولا ينبغي للرجل أن يقيم على الشبهة مع والديه . وذكر
المروذي له قول
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل : كل ما لم يعلم أنه حرام بعينه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله : وما يدريه أيهما الحرام ؟ وذكر له
المروذي قول
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث وسئل
هل للوالدين طاعة في الشبهة ؟ فقال : لا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله : هذا شديد قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله : فللوالدين طاعة في الشبهة ؟ فقال : إن للوالدين حقا قلت : فلهما طاعة فيها قال أحب أن تعفيني ، أخاف أن يكون الذي يدخل عليه أشد مما يأتي قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله : إني سألت
محمد بن مقاتل العباداني عنها فقال لي : بر والديك . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله : هذا
محمد بن مقاتل قد رأيت ما قال ، وهذا
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث قد قال ما قال ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله : ما أحسن أن يداريهم .
وروى
المروذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم أنه سئل عن الشبهة فقال أطع
[ ص: 444 ] والديك ، وسئل عنها
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث فقال لا تدخلني بينك وبين والديك .
وذكر الشيخ
تقي الدين رواية
المروذي ثم قال : وقال في رواية
ابن إبراهيم فيما هو شبهة فتعرض عليه أن يأكل فقال : إذا علم أنه حرام بعينه فلا يأكل قال الشيخ
تقي الدين : مفهوم هذه الرواية أنهما قد يطاعان إذا لم يعلم أنه حرام ، ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=15202المروذي فيها أنهما لا يطاعان في الشبهة ، وكلامه يدل على أنه لولا الشبهة لوجب الأكل لأنه لا ضرر عليه فيه وهو يطيب نفسهما . انتهى كلامه .
وإن أراد من معه حلال وحرام أن يخرج من إثم الحرام فنقل الجماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد التحريم إلا أن يكثر الحلال واحتج بخبر
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم في الصيد وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أيضا إنما قلته في درهم حرام مع آخر وعنه في عشرة فأقل لا تجحف به وقال
المروذي سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله عن الرجل يكون معه ثلاثة دراهم منها درهم حرام لا يعرفه فقال : لا يأكل منها شيئا حتى يعرفه واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21556أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر فقال : لا تأكل حتى تعلم أن كلبك قتله . قلت له : فإن كانت دراهم كثيرة فقال : ثلاثين أو نحوها فيها درهم حرام أخرج الدرهم قلت : إن بشرا قال تخرج درهما من الثلاثة } ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15536 : بشر بن الوليد قلت : لا
nindex.php?page=showalam&ids=15531بشر بن الحارث قال : ما ظننته إلا قول
nindex.php?page=showalam&ids=15536بشر بن الوليد .
هذا قول أصحاب الرأي وقال القاضي في الخلاف في مسألة اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة : ظاهر مقالة أصحابنا يعني
أبا بكر وأبا علي النجاد وأبا إسحاق يتحرى في عشرة طاهرة فيها إناء نجس لأنه قد نص على ذلك في الدراهم فيها درهم حرام ، فإن كانت عشرة أخرج قدر الحرام منها ، وإن كانت أقل امتنع منها ، وإن كانت أقل امتنع من جميعها قال ويجب أن لا يكون هذا حدا ، إنما الاعتبار بما كثر عادة واختيار القاضي في موضع آخر والأصحاب والشيخ وغيرهم أن كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ليس على سبيل التحديد وأن الواجب إخراج قدر الحرام لأنه لم يحرم لعينه وإنما حرم لتعلق حق غيره به فإذا أخرج
[ ص: 445 ] عوضه زال التحريم عنه كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه فظاهر هذا ، ولو علم صاحبه أو استهلك فيه كزيت اختلط بزيت وقيل للقاضي في الخلاف في مسألة الأواني قد قلت : إذا
اختلط درهم حرام بدراهم يعزل قدر الحرام ويتصرف في الباقي فقال إذا كان للدراهم مالك معين لم يجز أن يتصرف في شيء منها منفردا وإلا عزل قدر الحرام وتصرف في الباقي وكان الفرق بينهما إذا كان معروفا فهو شريك معه فهو يتوصل إلى مقاسمته وإذا لم يكن معروفا فأكثر ما فيه أنه مال للفقراء فيجوز له أن يتصدق به .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل وابن الصيرفي في النوادر أنه إذا
اختلط زيت حرام بمباح تصدق به ، هذا مستهلك والنقد يتحرى قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال عن
أبي طالب أنه نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الزيت أعجب إلي أن يتصدق به هذا غير الدراهم .
وذكر الأصحاب في النقد أن الورع ترك الجميع وذكر الشيخ
تقي الدين أنه لم يتبين له أن ذلك من الورع ومتى جهل قدر الحرام تصدق به بما يراه حراما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فدل هذا أنه يكتفي بالظن وقاله
ابن الجوزي قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : لا يبحث عن شيء ما لم يعلم فهو خبير ، وبأكل الحلال تطمئن القلوب وتلين .
وذلك مذكور في الفقه أول كتاب الشركة ومآل بيت المال في آخر كتاب الزكاة . والله أعلم .