[ ص: 354 ] فصل (
أحكام قتل الحشرات وإحراقها وتعذيبها ) .
ويكره قتل النمل إلا من أذية شديدة فإنه يجوز قتلهن وقتل القمل بغير النار ويكره قتلهما بالنار ويكره قتل الضفادع ذكر ذلك في المستوعب .
وقال في الغنية كذلك وأنه لا يجوز سقي حيوان مؤذ وقال في الرعاية يكره قتل ما لا يضر من نمل ونحل وهدهد وصرد ويجوز تدخين الزنابير وتشميس القز ، ولا يقتل بنار نمل ولا قمل ولا برغوث ولا غيرها ولا يقتل ضفدع بحال وظاهره التحريم ومال صاحب النظم إلى أنه يحرم إحراق كل ذي روح بالنار وأنه يجوز إحراق ما يؤذي بلا كراهة إذا لم يزل ضرره دون مشقة غالبة إلا بالنار وقال إنه سئل عما ترجح عنده الشيخ
شمس الدين صاحب الشرح فقال ما هو بعيد .
واستدل صاحب الشرح بالخبر الذي في الصحيحين ، أو صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=6848أن نبيا من الأنبياء نزل على قرية نمل فآذته نملة فأحرق القرية فأوحى الله تعالى إليه فهلا نملة واحدة } ويجاب من أوجه :
( أحدها ) : أنه خرج مخرج التوبيخ لا للإباحة بدليل إبهام النملة المؤذية وهو مانع بدليل إبهام حربي مستأمن في جماعة يحرم قتل الكل .
( الثاني ) : أنه شرع من قبلنا وقد ورد شرعنا بخلافه .
( الثالث ) : أنه يدل على أنه لا يحرم ولا ينفي الكراهة جمعا بينه وبين النهي .
( الرابع ) : أنه إن جعل دليلا للجواز دل عليه وإن لم توجد مشقة غالبة فاعتبارها يخالف الخبر .
واحتج صاحب النظم بالإجماع على جواز شي الجراد ، والسمك كذا قال ، والخلاف عندنا مع التفريق المذكور ليس في السمك ، والجراد قال وقد جوز الأصحاب إحراق نخل الكفار إذا كانوا يعملون ذلك في بلادنا لينتهوا فإذا جاز ذلك
[ ص: 355 ] دفعا لضرر غيره المتوقع فجوازه دفعا لضرره الواقع أولى كذا قال فانتقل من نخل الكفار بالخاء المعجمة إلى الحاء المهملة وهو واضح قال وأجازوا أيضا تدخين الزنابير وتشميس القز ويجاب بأن هذا ليس تحريقا بالنار إنما هو تعذيب بغيرها ولهذا فرق
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بين التدخين ، والتحريق على ما يأتي وفي ترك التشميس إفساد للمال فاحتمل بخلاف مسألتنا .
وظاهر كلام بعض أصحابنا في محظورات الإحرام أن قتل النمل ، والنحل ، والضفدع لا يجوز وهو مذهب الشافعية واحتج جماعة على تحريم أكلها وأكل الهدهد ، والصرد بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها .
وقال في المستوعب في محظورات الإحرام فأما النمل وكل ما لا يضر ولا ينفع كالخنافس ، والجعلان ، والديدان ، والذباب ، والنمل غير التي تلسع فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله إذا آذته يعني هذه الأشياء قتلها ويكره قتلها من غير أذية فإن فعل فلا شيء عليه وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل في آخر الفصول ولا يجوز قتل النمل ولا تخريب أجحرهن ولا قصدهن بما يضرهن ولا يحل قتل الضفدع .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال إذا آذاك النمل فاقتله ورأى
nindex.php?page=showalam&ids=11876أبو العتاهية نملا على بساط فقتلهن . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس قال إنا لنغرق النمل بالماء يعني إذا آذتنا روى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه
وسئل الشيخ
تقي الدين هل يجوز إحراق بيوت النمل بالنار ؟ فقال يدفع ضرره بغير التحريق وذكر في المغني في مسألة قتل الكلب أن ما لا مضرة فيه لا يباح قتله واستدل بالنهي عن قتل الكلاب فدل كلامه هذا على التسوية ، وأنه إن أبيح قتل ما لا مضرة فيه من غير الكلاب أبيح قتل الكلاب وهو ظاهر كلام جماعة وهو متجه وعلى هذا يحمل تخصيص جواز قتل الكلب العقور ، والأسود البهيم لأنه لم يبح قتل ما لا مضرة فيه وعلى هذا يحمل كلام من خصهما من أصحابنا وإلا فلا يتجه جواز
[ ص: 356 ] قتل ما لا مضرة فيه غير الكلاب ومنع
قتل الكلاب وهذا واضح إن شاء الله تعالى وعلى هذا المراد بالكلاب غير المأذون في اقتنائها وإلا لم يجز وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ويحمل نهي الشارع عن قتل الكلاب على الكراهة تخصيصا له برأي
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان وغيره ممن رأى قتلهن ولأن مقتضاه الكراهة وهو وجه لنا ، والكلام في هذا النهي أخص فإنه نهي بعد وجوب .
وقد اختلف الأصحاب فيه هل هو للتحريم ، أو للكراهة أو لإباحة الترك على ثلاثة أوجه وعلى قولنا يمنع قتلها أنها إذا آذت بكثرة نجاستها وأكلها ما غفل عنه الناس جاز قتلها على ما يأتي نص
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في النمل يقتله إذا آذاه مع أن الشارع نهى عن قتلها فما جاز في أحدهما جاز في الآخر بل النهي عن قتل النمل ونحوه آكد لأنه لم يتقدمه أمر بقتله ولم ير صحابي قتله كما في الكلاب وهذا أيضا دال ولا بد على أنه إذا لم يحرم قتل النمل ونحوه بل يكره أن يكون حكم الكلاب كذلك من طريق الأولى فقد ظهر ، والحمد لله حكم هذه المسألة مذهبا ودليلا ، والله أعلم .
وسيأتي كلام صاحب المستوعب ، والمغني ، والكلام في قتل الهر وقدم في الرعاية الإباحة فصارت الأقوال في
قتل ما لا مضرة فيه ثلاثة : الإباحة ، والكراهة ، والتحريم .
قال
علي بن سعيد سألت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن تشميس القز يموت الدود فيه قال ولم يفعل ذلك قلت يجف القز وإن تركه كان في ذلك ضرر كثير قال إذا لم يجدوا منه بدا ولم يريدوا بذلك أن يعذبوا بالشمس فليس به بأس ، وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فيما نقل
المروزي يدخن الزنابير ؟ قال إذا خشي أذاهم فلا بأس هو أحب إلي من تحريقه ، والنمل إذا آذاه يقتله وكذلك رواه
ابن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا
أبو عبد الله الكواز حدثتني
حبيبة مولاة الأحنف أنها رأت
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس رحمه الله ورآها تقتل قملة فقال لا تقتليها ، ثم دعا بكرسي فجلس عليه فحمد الله وأثنى عليه فقال إني أحرج عليكن إلا خرجتن من داري فإني أكره أن تقتلن في داري قال فخرجن فما رئي منهن بعد ذلك اليوم واحدة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد رأيت أبي فعل ذلك خرج
[ ص: 357 ] على النمل ، وأكبر علمي أنه جلس على كرسي كان يجلس عليه لوضوء الصلاة ، ثم رأيت النمل قد خرجن بعد ذلك نمل كبار سود فلم أرهن بعد ذلك .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=38428 : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصرد } إسناده جيد له غير طريق رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43061ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع } إسناده حسن رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395، والنسائي من حديث
عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه وقطع الشيخ
محيي الدين النووي بتحريم تعذيب كل حيوان بالنار حتى القملة ونحوها .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39520إن النار لا يعذب بها إلا الله } .
وروى
أبو داود ثنا
أبو صالح محبوب بن موسى ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11816أبو إسحاق الفزاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11814أبي إسحاق الشيباني عن
nindex.php?page=showalam&ids=14112ابن سعد وهو الحسن بن سعد عن
عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29022كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه ؟ قلنا نحن فقال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار } إسناده جيد
وعبد الرحمن سمع من أبيه عن الأكثر .
فأما ما فيه منفعة من وجه ومضرة من وجه كالبازي ، والصقر ، والشاهين ، والباشق فإنه يخير في قتلها على ما ذكره في المستوعب وكذا في الفصول لما استوت حالتاه استوى الحال في قتله وتركه فمضرته في اصطياده لطيور
[ ص: 358 ] الناس ، ومنفعته كونه يصطاد للناس قال وكذا الفهد وكل كلب معلم للصيد .
وذكر في المغني أن الكلب المعلم لا يحل قتله لأنه محل منتفع به يباح اقتناؤه فحرم إتلافه كالشاة قال لا نعلم فيه خلافا .
وقال أيضا إنما حرم إتلافه لما فيه من الإضرار وهو منهي عنه ، وذكر أيضا أنه يباح قتل الكلب العقور ، والأسود البهيم وإن كان معلما ومقتضى كلامه أنه لا يحل
قتل البازي ونحوه كالكلب المعلم وأولى وقد يقال : بكراهة القتل فتصير الأقوال ثلاثة وجزم صاحب النظم بخبر إلا إذا ملكت فإنه يحرم إلا إذا عدت على معصوم آدمي أو مال .
ويحرم
قتل الهر وجزم بعضهم يكره ، وإن ملكت حرم وكذا جزم به صاحب النظم ، وإن كره فقط فقتل الكلب أولى . ويجوز قتلها بأكلها لحما ، أو غيره نحوه قال صاحب النظم بلا كراهة ، وفي الفصول حين أكله لأنه لا يردعه إلا الدفع في حال صياله ، والقتل شرع في حق الآدمي وإن فارق الفعل ليرتدع الجنس .
وفي الترغيب لا يجوز إلا إذا لم يندفع إلا به كصائل .
وقال صاحب النظم وكذا لو كان يبول على الأمتعة أو يكسر الآنية ويخطف الأشياء غالبا إلا قليلا لمضرته ، ومن تعدى بقتلها فضمانها يخرج على جواز بيعها وإلا فلا ضمان ويضمن صاحبها ما أتلفه إن لم يحفظها جزم به في الفصول زاد في الرعاية في الأقيس قال جماعة بأكلها فراخا عادة قال جماعة مع علمه .