[ ص: 424 ] فصل ( فيما ورد في العمارة والبناء )
لم أجد أصحابنا رحمهم الله ذكروا
النفقة في العمارة والبناء ، وقال
أبو داود في أبواب الآداب : ( باب ما جاء في البناء ) ثم روى الخبر الصحيح المشهور الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والترمذي وصححه أنه عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118892مر nindex.php?page=showalam&ids=13بعبد الله بن عمرو وأمه يطينان حائطا ، وفي لفظ يصلحان خصاصهما فقال : الأمر أسرع من ذلك . } حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس ثنا
زهير ثنا
عثمان بن حكيم أخبرنا
إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عن
أبي طلحة الأسدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5613أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبة فذكر الحديث إلى أن قال فرجع الرجل إلى قبته فهدمها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرها قال ما فعلت القبة ؟ قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها ، فخرج رسول الله قال : أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا . } إسناده جيد
nindex.php?page=showalam&ids=86وأبو طلحة روى عنه جماعة ، ولم أجد فيه كلاما .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، ولفظه {
كل على صاحبه . }
وعندهما في آخره ، والكل الثقل قال تعالى : {
وهو كل على مولاه } قال في النهاية : : الوبال في الأصل الثقل والمكروه ويريد به في الحديث العذاب في الآخرة .
وفي المسند والصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب رضي الله عنه قال : وهو يبني حائطا له : إن المرء المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا في شيء يجعله في التراب ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن
إسماعيل بن موسى عن
شريك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق عن
حارثة بن مضرب [ ص: 425 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11144إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في التراب أو قال في البناء . } إسناد جيد . وظاهره أنه لا إثم له بذلك
وللترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=15741النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه . } وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ثنا
حسن ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ثنا
زبان بن فائد عن
سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35968من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء وغرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجرا جاريا ما انتفع به من خلق الله . } إسناده ضعيف .
اعلم أن المسكن لا بد للإنسان منه في الجملة فيجب تحصيله لنفسه ولمن تلزمه نفقته ، ومثل هذا يعاقب على تركه ويثاب على فعله ، وموته عنه كبقية ماله المخلف عنه لورثته يثاب عليه قال عليه السلام
nindex.php?page=showalam&ids=37لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12334إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس . } متفق عليه . وأما الزيادة على ذلك فإن كانت يسيرة لا تعد في العادة والعرف إسرافا واعتداء ومجاوزة للحد فلا بأس بها لا تكره ، وهل يثاب عليها ؟ يحتمل وجهين .
والأحاديث محتملة ولعل ظاهرها مختلف ، والأصل عدم الإثابة ، وقد يحتج للإثابة بظاهر قوله تعالى : {
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } .
أي : في غير إسراف قاله بعض المفسرين من التابعين ولم يذكر سبحانه الجهة المنفق فيها . وإخراج ما جاوز الحد وأسرف فيه لدليل يخصه لا يلزم منه إخراج ما دونه ، والأصل عدم دليل يخرج ذلك ، وقد قيل : في الآية غير ذلك ، وظاهرها كما سبق في الكرم والبخل بعد فضول الكسب بعد قوله عليه السلام " أنفق ينفق عليك " ; ولأن هذا مما يشرح الصدر ويسر النفس ، وقد يحفظ الصحة وقد يحتاج إليه ، ومحذور الإسراف منتف فيستحب ذلك .
وأما الإسراف والاعتداء في ذلك فظواهر الأخبار السابقة تدل على الكراهة وقد رواها
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود ولم يخالفاها كما أن ظاهرها أنه لا يحرم ; لأن فاعل المحرم لا يقال عادة وغالبا لا أجر له ولا تخلف نفقته بل يقال : يعصي ويأثم ويعاقب فيذكر المعنى المختص بعمله ، وعلى هذا المراد بالوبال
[ ص: 426 ] والكل في الخبر الثقل فيؤتى بمثل هذا الكلام لكراهة الفعل ، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم تلك القبة ولا طلب صاحبها فأمره بذلك ، وهذا واضح .
وعلى هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير أن المراد العذاب في الآخرة غير واضح ولا متجه مع أن ظاهر كلام
الشيخ تقي الدين إن لم يكن صريحه بأنه يحجر على من بذله في مباح زائدا على المصلحة ، والمسألة سبقت في آداب الأكل ومذكورة في الفقه في باب الحجر .
وحيث حرم أو كره فأجرة فاعله تابعة لذلك كما يأتي في خياطة الملبوس إذا حرم حرمت الأجرة ، وسبق الكلام في الإسراف في مأكول ومشروب وملبوس في آداب الأكل .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في كتاب الإجماع قبل السبق والرمي : اتفقوا على أن بناء ما يستر به المرء وعياله وماله من العيون والبرد والحر أو المطر فرض واكتساب منزل أو مسكن يستر ما ذكرنا ، واتفقوا أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله قبله مباح ثم اختلفوا فمن كاره ومن غير كاره ، وسبق كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في هذا في فصول الكسب والتجارة .
واعلم أن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الأحوال وطريقه خير الطرق لما علم عليه السلام أن الدنيا دار سفر لا دار إقامة اتخذ مساكن بحسب الحاجة تستر عن العيون وتقي مضرة الحر والبرد والمطر والرياح وتحفظ ما وضع فيها من دابة وغيرها ولم يزخرفها ولم يشيدها ولم تكن ثقيلة فيخاف سقوطها ولا واسعة رفيعة فتعشش فيها الهوام وتصير مهبا للرياح المؤذية ، ولا هي مساكن تحت الأرض فتشبه مساكن الجبابرة المتقدمين وربما تأذى ساكنها بذلك لقلة الهواء أو الشمس أو عدمهما أو بالظلمة أو ببعض الهوام ، بل هي مساكن متوسطة حسنة طيبة الرائحة بعرقه ورائحته صلى الله عليه وسلم وكان يحب التطيب ويتخذه كما سبق في حفظ الصحة من فصول الطب ، والله أعلم .