[ ص: 132 ] فصل ( في سرور الإنسان بمعرفة طاعته والعجب والرياء والغرور بها ) .
إذا سر الإنسان بمعرفة طاعته هل هو مذموم ؟ قال
ابن الجوزي إن كان قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله عز وجل ولكنه لما أطلع عليه الخلق علم أن الله أطلعهم وأظهر الجميل من أحواله فسر بحسن صنيع الله عز وجل ونظره له ولطفه به حيث كان يستر الطاعة والمعصية فأظهر الله عليه الطاعة وستر المعصية فيكون فرحه بذلك لا بحمد الناس ، وقيام المنزلة في قلوبهم أو يستدل بإظهار الله الجميل وستر القبيح عليه في الدنيا أنه كذلك يفعل به في الآخرة قد جاء معنى ذلك في الحديث . فأما إن كان فرحه بإطلاع الناس عليه لقيام منزلته عندهم حتى يمدحوه ويعظموه ويقضوا حوائجه فهذا مكروه مذموم .
فإن قيل فما وجه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال قال رجل : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118705يا رسول الله الرجل يعمل العمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه ؟ فقال له أجران أجر السر وأجر العلانية } فالجواب أنه حديث ضعيف رواه
الترمذي وقد فسره بعض العلماء بأن معناه بأن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير لقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=7036أنتم شهداء الله في الأرض } .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال قيل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118706يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير فيحمده الناس عليه ؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن } فأما إذا أعجبه ليعلم الناس منه الخير ويكرمونه عليه فهذا رياء .
ووجود الرياء بعد الفراغ من العبادة لا يحبطها لأنه قد تم على نعت الإخلاص فلا ينعطف ما طرأ عليه بعده لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به ، فأما إن تحدث به بعد فراغه وأظهره فهذا مخوف ، والغالب عليه أنه كان في قلبه وقت مباشرة العمل نوع رياء فإن سلم من الرياء نقص أجره ، فإن
[ ص: 133 ] بين عمل السر والعلانية سبعين درجة .
وورود الرياء قبل الفراغ من العبادة إن كان مجرد سرور لم يؤثر في العمل ، وإن كان باعثا على العمل مثل أن يطيل الصلاة ليرى مكانه فهذا يحبط الأجر ، انتهى كلامه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل : الإعجاب ليس بالفرح والفرح لا يقدح في الطاعات لأنها مسرة النفس بطاعة الرب عز وجل ، ومثل ذلك مما سر العقلاء وأبهج الفضلاء ، وكذلك روي في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5230أن رجلا قال يا رسول الله : إني كنت أصلي فدخل علي صديق لي فسرني ذلك . فقال : لك أجران أجر السر وأجر العلانية } وإنما الإعجاب استكثار ما يأتي به من طاعة الله عز وجل ورؤية النفس بعين الافتخار ، وعلامة ذلك اقتضاء الله عز وجل بما أتى الأولياء وانتظار الكرامة وإجابة الدعوة ، وينكشف ذلك بما يرى من هؤلاء الجهال من إمرار أيديهم على أرباب العاهات والأمراض ثقة بالبركات وما شاكل ذلك من الخدع حتى أن الواحد منهم لو كسر له عرض قال على سبيل الاقتضاء لله ؟ أليس قد ضمنت نصر المؤمنين ، ولا يدري الجاهل من المؤمن المنصور ؟ وما النصر ؟ وماذا شرط النصرة ؟ وذكر كلاما كثيرا إلى أن قال : إن العجب يدخل من إثبات نفسك في العمل ونسيان ألطاف الحق ومن إغفال نعمه التي لا تحصى ، وإلا فلو لحظ العبد اتصال النعم لاستقل عمله وإن كثر أن يقابل النعم شكرا ويدخل من الجهل بالمطاع ، فلو عرف العبد من يطيع ولمن يخدم لاستكثر لنفسه منه سبحانه ذلك ، واستقلها أن تكون داخلة مع أملاك سبع سموات يسبحون الليل والنهار لا يفترون .
ويدخل أيضا عن طرق الجهالة بكثرة الخلل والعلل ، التي ينبغي أن يكون معها على غاية الخجل ، والخوف من أن يقع الطرد والرد ، فإن الفيء مستوحش ، ويدخل أيضا من النظر إلى الخلق بعين الاستقلال ، وإدمان النظر إلى العصاة المتشردين ، ولو أنه نظر إلى العمال لله عز وجل لاستقل نفسه . فهذه معالجة الأدواء ، وحسم مواد الفساد في الأعمال .
[ ص: 134 ] قال
ابن الجوزي وقد ذكر هذا المعنى : وفهم هذا ينكس رأس الكبير ويوجب مساكنة الذل فتأمله فإنه أصل عظيم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل أيضا : انظر إلى لطف الله عز وجل بخلقه كيف وضع فيهم لمصالحهم مدارك تزيد على العلم ، ودواعي تحثهم على فعل ما فيه الصلاح والكف عن الشر والفساد من ذلك وضعه للشهوة وهيجان الطبع لطلب الجماع وذلك طريق النشوء وحفظ النسل وآلام تحصل من الرقة على الحيوان ليحصل الامتناع من الإقدام على الإيلام ، ويحصل منع المؤلم وكف المتعدي وجعل المسرة الواقعة بالمدحة داعية إلى فعل الخير إذ لا يمدح إلا على الخير وعلى ذلك جميع ما يدفع الضرر ويجلب الخير لم يخله من دواع باعثة على فعله ، ولواذع زاجرة عن فعل القبيح .
فسبحان من يفيض جوده بالخير لعلمه بأنه حسن نافع ، ويصرف السوء لعلمه بقبحه وغنائه ، ويصرف خلقه بأنواع الصوارف العاجلة ، والصوارف بالوعيد وبالعقاب الآجل .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه أن معنى الحديث أنه يسره أن الله عز وجل وفقه لذلك العمل فعسى يستن به فيه ، فإذا كان كذلك كتب الله له أجرين ، وإذا سره ذلك لتعظيم الناس إياه أو ميلهم إليه به كان ذلك ضربا من الرياء لا يكون له أجران ولا أجر واحد انتهى كلامه .
وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المذكور رواه
الترمذي ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ثنا
أبو داود ثنا
أبو سنان الشيباني عن
حبيب بن أبي ثابت عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة إسناد جيد .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه قال
الترمذي غريب قال ورواه
العمش وغيره عن
حبيب عن
أبي صالح مرسلا ثم ذكر التفسير السابق عن بعض العلماء .
قال وقال بعض أهل العلم : إذا اطلع عليه فأعجبه رجا أن يعمل بعمله فيكون له مثل أجورهم قال
الترمذي فهذا له مذهب أيضا ، وحمل في شرح مسلم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر على ظاهره .
وقال : هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه إلى حمدهم وإلا فالتعريض مذموم .
[ ص: 135 ] انتهى كلامه .
nindex.php?page=showalam&ids=12251ولأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وغيرهم من حديث
جندب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37620من يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمع الله به } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل إنك لو علمت أن إكرام الخلق لك رياء سقطت من عينك ، أفأقنع أنا منك أن تجعلني في العادة جزءا من كل بعضا من جماعة ؟ وقال : ما يحلو لك العمل حتى تحلو لك تسميتهم بعابد وزاهد ، فارث لنفسك من ذلك فإنه رياء وسمعة وليس لك منه إلا ما حظيت به من الصيت ، تدري كم في الجريدة أقوام لا يؤبه لهم إلا عند القيام من القبور ، وكم يفتضح غدا من أرباب الأسماء من الخلق بعالم وصالح وزاهد نعوذ بالله من طفيلي تصدر بالوقاحة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33562لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا ما كان } رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=59201إن العبد إذا صلى في العلانية فأحسن وصلى في السر فأحسن . قال الله عز وجل هذا عبدي حقا } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16871مالك بن دينار قال : مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ولم أكره مذمتهم قيل ولم ذاك ؟ قال لأن حامدهم مفرط ، وذامهم مفرط .
وروى
ابن الجوزي في مناقب أصحاب الحديث بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=12762ابن السماك سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول إظهار المحبرة من الرياء .