[ ص: 229 ] فصل (
حكم هجر أهل المعاصي ) .
يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل : إذا علم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع ، وإلا كيف يتبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا ولا جفوة من صديق ؟ ونقل
المروذي : يكون في سقف البيت الذهب يجانب صاحبه ؟ يجفى صاحبه وقد اشتهرت الرواية عنه في هجره من أجاب في المحنة إلى أن مات ، وقيل : يجب أن ارتدع به وإلا كان مستحبا ، وقيل : يجب هجره مطلقا إلا من السلام بعد ثلاثة أيام وقيل : ترك السلام على من جهر بالمعاصي حتى يتوب منها فرض كفاية ، ويكره لبقية الناس تركه ، وظاهر ما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ترك الكلام والسلام مطلقا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية
الفضل وقيل له : ينبغي لأحد أن لا يكلم أحدا ؟ فقال : نعم إذا عرفت من أحد نفاقا فلا تكلمه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف على الثلاثة الذين خلفوا فأمر الناس أن لا يكلموهم قلت : يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله كيف يصنع بأهل الأهواء قال أما
الجهمية والرافضة فلا ، قيل له
: فالمرجئة قال : هؤلاء أسهل إلا المخاصم منهم فلا تكلمه ، ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام الثلاثة الذين تخلفوا
بالمدينة حين خاف عليهم النفاق ، وهكذا كل من خفنا عليه .
وقال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد أنه اتهمهم بالنفاق ، وكذا من اتهم بالكفر لا بأس أن يترك كلامه .
قال القاضي وقد أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها
[ ص: 230 ] في قصة الإفك في رواية
مثنى الأنباري ، وقد سأله أكثر ما يعرف في المجانبة فذكر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها في ترك النبي صلى الله عليه وسلم كلامها ، والسلام عليها حين ذكر ما ذكر كذا حكاه ، ولم أجد في قصة الإفك هذا بل كان قبل أن يأذن لها أن تذهب إلى بيت أبيها إذا دخل عليها يسلم ثم يقول : " كيف تيكم ؟ " ففي هذا ترك اللطف فقط ، وأما قصة
كعب ففيها ترك السلام والكلام ، ولهذا كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فأقول : هل حرك شفتيه ؟ وإنه سلم على
nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة فلم يرد عليه وحمله جماعة ممن شرحه على ظاهره في هجر أهل البدع والمعاصي بترك الكلام ، والسلام بخوف المعصية .
وفي رواية
مثنى المذكورة والتي قبلها إباحة الهجر وترك الكلام والسلام بخوف المعصية ، ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=15371الميموني تدل على وجوبه وكلام الأصحاب صريحة في النشوز على تحريمه .
وأما ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بعد قصة الإفك عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5279أن رجلا كان يتهم بأم ولده فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمر nindex.php?page=showalam&ids=8عليا أن يذهب فيضرب عنقه فذهب فوجده يغتسل في ركي وهي البئر فرآه مجبوبا فتركه } فلعل معناه : اذهب فاضرب عنقه إن ثبت ذلك عليه ، وحذف للعلم به .
وفي شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قيل : لعله مستحق القتل بغير الزنا وحركة الزنا ، وكف عنه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي اعتمادا على أن القتل بالزنا ، وقد علم انتفاء الزنا .
قال القاضي : وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري في هجرة أهل البدع والأهواء قصة
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهجره ، ثم تاب الله عز وجل عليه كذا ذكره القاضي عن رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري ، ولم أجد هذا في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بل فيها في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3641أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صدق ولا تقولوا له إلا خيرا فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني أضرب عنقه فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل [ ص: 231 ] بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة فدمعت عينا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وقال : الله ورسوله أعلم } ، وفي بعض طرقه " فقد غفرت لكم " كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وفي بعض طرقه أيضا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر سأله في قتله مرتين .
قال القاضي وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32917 : لكل أمة مجوس وإن مجوس هذه الأمة القدرية فلا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا } .
قال القاضي هذا مبالغة في الهجر . وقد روى
أبو داود من حديث رجل من
الأنصار عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة مرفوعا معناه ، وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا معناه وليس فيه " لكل أمة
مجوس " ، وروي أيضا من رواية
ربيعة الجرشي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30021لا تجالسوا أهل القدر ولا تناكحوهم } رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسناده جيد وفيه
حكيم بن شريك الهذلي تفرد عنه
عطاء بن دينار ووثقه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان .
قال القاضي : وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه رأى رجلا يضحك في جنازة . فقال : أتضحك مع الجنازة ؟ لا أكلمك أبدا . وبإسناده عن
الحسن قال : كان
nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس بن مالك امرأة في خلقها سوء ، فكان يهجرها السنة والأشهر ، فتتعلق بثوبه فتقول : أنشدك بالله يا
ابن مالك أنشدك بالله يا
ابن مالك فما يكلمها . وبإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس وقيل له : إن قوما يكذبون بالشفاعة وقوما يكذبون بعذاب القبر ، قال : لا تجالسوهم وبإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة أنه قال لرجل جعل في عضده خيطا من الحمى : لو مت وهذا عليك لم أصل عليك ، وبإسناده عن
الحسن قال قيل
nindex.php?page=showalam&ids=24لسمرة : إن ابنك أكل طعاما حتى كاد أن يقتله ، قال : لو مات ما صليت عليه ، وبإسناده أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كتب إلى أهل
البصرة أن لا تجالسوا
صبيغا .
وبإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : إن أتيتك برجل يتكلم في القدر ؟ فقال : لو أتيتني به لأوجعت رأسك ، ثم قال : لا تكلمهم ولا تجالسهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير لأيوب : لا تجالس
[ ص: 232 ] طلق بن حبيب فإنه مرجئ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم لرجل تكلم عنده في الإرجاء : إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي : لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم ، وكان
حماد بن سلمة إذا جلس يقول : من كان قدريا فليقم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب ، وسليمان التيمي أبي السوار nindex.php?page=showalam&ids=17419ويونس بن عبيد وغيرهم معنى ذلك ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي هو إجماع الصحابة والتابعين .
وقال ولأن كل معصية حل بها الهجر لم تتقدر بالثلاث ، أو نقول جاز أن يزيد على الثلاث دليله هجر الزوج لزوجته عند إظهار النشوز بقوله تعالى : {
واهجروهن في المضاجع } .
قال وإنما لم يهجر أهل الذمة لأنا عقدناها معهم لمصلحتنا بأخذ الجزية ، فلو قلنا : يهجرون زال المعنى المقصود .
وأما أهل الحرب ففي الامتناع من كلامهم ضرر ; لأنه يؤدي إلى ترك مبايعتهم وشرائهم ، وأما المرتدون فإن الصحابة رضي الله عنهم باينتهم بالحروب والقتال ، وأي هجر أعظم من هذا ؟ وذكر الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين رحمه الله في المنع من
النظر في كتب المبتدعة قال : كان
السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم إلى أن قال : وإذا كان أصحاب النبي ومن اتبع سنتهم في جميع الأمصار والأعصار متفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة ، وترك علم الكلام ، وتبديع أهله وهجرانهم ، والخبر بزندقتهم ، وبدعتهم ، فيجب القول ببطلانه وأن لا يلتفت إليه ملتفت ، ولا يغتر به أحد .
وقال
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : أرى رجلا من
أهل السنة مع رجل من أهل البدعة أترك كلامه قال : لا أو تعلمه أن الرجل الذي
[ ص: 233 ] رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه فكلمه ، وإلا فألحقه به . قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : المرء بخدنه وقال
عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه . قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=1629 : ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم } ويجب الإغضاء عمن سترها وكتمها . زاد في الرعاية الكبرى وشق عليه إشاعتها عنه .
قال
المروذي قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12251 : لأبي عبد الله اطلعنا من رجل على فجور ، وهو يتقدم يصلي بالناس أخرج من خلفه قال : اخرج من خلفه خروجا لا تفحش عليه .
وقال
ابن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله : إذا علم من الرجل الفجور أنخبر به الناس ؟ قال : لا بل يستر عليه إلا أن يكون داعية ، ويتوجه أن في معنى الداعية من اشتهر وعرف بالشر والفساد ينكر عليه ، وإن أسر المعصية ، وهو يشبه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي فيمن
أتى ما يوجب حدا إن شاع منه استحب أن يذهب إلى ولي الأمر ليأخذه به ، وإلا ستر نفسه .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : فإن كان يستتر بالمعاصي فظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد أنه لا يهجر ، قال في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل : ليس لمن يسكر ويقارف شيئا من الفواحش حرمة ولا صلة إذا كان معلنا بذلك مكاشفا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال في كتاب المجانبة :
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله يهجر أهل المعاصي ومن قارف الأعمال الردية ، أو تعدى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى الإقامة عليه ، أو الإضرار ، وأما من سكر أو شرب أو فعل فعلا من هذه الأشياء المحظورة ، ثم لم يكاشف بها ، ولم يلق فيها جلباب الحياء ، فالكف عن أعراضهم ، وعن المسلمين ، والإمساك عن أعراضهم ، وعن المسلمين أسلم . وكلام الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13439موفق الدين السابق يقتضي أن لا فرق بين الداعية إلى البدعة وغيره ، وظاهره أنه إجماع
السلف ، وذكر غيره في
عيادة المبتدع الداعية روايتين ، وترك العيادة من الهجر ، واعتبر الشيخ
تقي الدين المصلحة ، وذكر أيضا أن
المستتر بالمنكر ينكر عليه ، ويستر عليه ، فإن لم ينته فعل ما ينكف به إذا كان أنفع في الدين ، وإن
المظهر للمنكر يجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك .
[ ص: 234 ] وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتا إذا كان فيه كف لأمثاله فيتركون تشييع جنازته . انتهى كلامه .
وهذا لا ينافيه وجوب الإغضاء ، فإنه لا يمنع وجوب الإنكار سرا جمعا بين المصالح ، وكلامهم ظاهر ، أو صريح في وجوب الستر على هذا ، وظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال السابق يستحب ، ولم أجد بين الأصحاب رحمهم الله خلافا في أن
من عنده شهادة بما يوجب حدا له أن يقيمها عند الحاكم ، ويستحب أن لا يقيمها لقوله : عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36518من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة } ، فدل هذا على أن ستره لا يجب ، وأنه ينكر عليه بطريقة ، ولم يفرقوا بين أن يكون المشهود عليه مشهورا بالشر والفساد أم لا ، ولا يتوجه ما تقدم من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي في المقر .
وروى
أبو داود حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17081مسلم بن إبراهيم حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن
إبراهيم بن نشيط عن
كعب بن علقمة عن
أبي الهيثم عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36394 : من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة } حدثنا
محمد بن يحيى ثنا
إبراهيم بن أبي مريم أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث حدثني
إبراهيم بن نشيط عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118720كعب بن علقمة أنه سمع أبا الهيثم يذكر أنه سمع دحينا كاتب nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قال : كان لي جيران يشربون الخمر فنهيتهم فلم ينتهوا ، فقلت nindex.php?page=showalam&ids=27لعقبة بن عامر : إن جيراننا هؤلاء يشربون الخمر ، وإني نهيتهم فلم ينتهوا فأنا داع لهم الشرط ، فقال : دعهم ، ثم رجعت إلى nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة مرة أخرى فقلت : إن جيراننا قد أبوا أن ينتهوا عن شرب الخمر ، وأنا داع لهم الشرط ، فقال : ويحك دعهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . قال أبو داود : قال هشام بن القاسم عن nindex.php?page=showalam&ids=15124ليث في هذا الحديث قال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم }
كعب تابعي ثقة لم يرو عن
أبي الهيثم غيره
[ ص: 235 ] ولهذا قال بعضهم في
أبي الهيثم لا يعرف . وقد روى خبره
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل في الفنون : الصحابة رضي الله عنهم آثروا فراق نفوسهم لأجل مخالفتها للخالق سبحانه وتعالى ، فهذا يقول : زنيت فطهرني ، ونحن لا نسخو أن نقاطع أحدا فيه لمكان المخالفة .
وقال في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42919ومن ستر مسلما ستره الله عز وجل يوم القيامة } قال : وأما
الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد ، وأما المعروف بذلك ، فيستحب أن لا يستر عليه ، بل ترفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة ; لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله ، وهذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت ، أما معصية رآه عليها ، وهو بعد متلبس ، فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه على من قدر على ذلك ، فلا يحل تأخيرها ، فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة .
وأما
جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب عند الحاجة ، ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم ، وليس هذا من الغيبة المحرمة ، بل من النصيحة الواجبة ، وهذا مجمع عليه .
قال العلماء في القسم الأول الذي يستر فيه : هذا الستر مندوب فلو رفعه إلى السلطان ونحوه لم يأثم بالإجماع ، لكن هذا الأولى وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه انتهى كلامه .
وإذا لم يأثم برفع فاعل معصية انقضت فرفع من هو متلبس بها ابتداء مثله ، أو أولى وما ذكره من الإجماع فيه نظر لما سبق ولما يأتي . وقد ذكر هو وغيره قصة
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة فيها هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة ، أو كان في الستر مفسدة ، وإن الأحاديث في السنن تحمل على ما إذا لم تكن فيه مفسدة ، ولا تفوت به مصلحة .
وقد ذكر
المهدوي في تفسيره أنه لا ينبغي لأحد أن يتجسس على أحد
[ ص: 236 ] من المسلمين قال : فإن اطلع منه على ريبة وجب أن يسترها ويعظه مع ذلك ويخوفه بالله تعالى . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28727كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح ، وقد ستره عليه الله ، فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره الله عز وجل ، ويصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه } . في نسخ معتمدة أو معظم النسخ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3000185معافاة } يعود إلى الأمة .
وفي بعض النسخ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118721وإن من المجاهرة } وفي بعضها {
nindex.php?page=hadith&LINKID=118722وإن من الجهار } يقال : جهر بأمره وأجهر وجاهر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل في الفنون : سؤال عن قوله : صلى الله عليه وسلم {
وجبت } ، والجواب أنه يجوز أن يكون قوله ذلك مما ألقي إليه من الوحي . ويحتمل أن يكون لما ظهر له حين غفر شره لخيره ( والثالث ) يجوز أن يكون استسراره بالشر طاعة لله تعالى حيث قال : من أتى من هذه القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل فوجبت له المغفرة بطاعة الشرع باستسراره لستر الله عز وجل ، فجازاه الله عز وجل على ذلك بالمغفرة لما ستره عن الخلق طاعة للحق والله سبحانه أعلم .