غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : هل يشترط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رجاء حصول المقصود ؟ .

( تنبيه )

: هل من شرط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رجاء حصول المقصود أو لا ؟ على روايتين عن الإمام أحمد رضي الله عنه . نقل أبو الحارث الوجوب ، ونقل حنبل عكسه . قال في نهاية المبتدئين : وإنما يلزم الإنكار إذا علم حصول المقصود ولم يقم به غيره ، وعنه إذا رجا حصوله ، وهو الذي ذكره ابن الجوزي ، وقيل ينكره وإن أيس من زواله وخاف أذى أو فتنة .

وقال في نهاية المبتدئين : إنما يجوز الإنكار فيما لا يرجى زواله وإن خاف أذى ، وقيل لا ، وقيل يجب . والذي ذكره القاضي في المعتمد أنه لا يجب ويخير في رفعه إلى الإمام خلافا لمن قال يجب رفعه .

قال في الآداب : وإذا لم يجب الإنكار فهو أفضل من تركه ، جزم به ابن عقيل . قال القاضي خلافا لأكثرهم في قولهم ذلك قبيح ومكروه إلا في موضعين :

( أحدهما ) : كلمة حق عند سلطان جائر .

( والثاني ) : إظهار الإيمان عند ظهور كلمة الكفر . انتهى .

[ ص: 215 ] وقال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية : حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن الإمام أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه ، وصحح القول بوجوبه ، وهو قول أكثر العلماء .

وقد قيل لبعض السلف في هذا فقال يكون لك معذرة ، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم { لما تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } قال الحافظ : وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به .

ففي سنن أبي داود وابن ماجه والترمذي عن أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له كيف تقول في هذه الآية { عليكم أنفسكم } فقال أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال { بل ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك أمر العوام } .

وفي سنن أبي داود أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكرت الفتنة فقال { إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه . فقمت فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال الزم بيتك ، واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة } وكذلك روي عن طائفة من الصحابة في قول الله تعالى { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } قالوا لم يأت تأويلها بعد ، إنما تأويلها في آخر الزمان . والله ولي الإحسان .

إذا علمت ما ذكرت لك فعلى العالم بالحظر والفعل مع عدم القائم به غيره حيث أمن على ما مر ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . .

التالي السابق


الخدمات العلمية