ثم إن
الناظم رحمه الله تعالى نبه على
بعض فوائد السلام فقال : وإفشاؤك التسليم يوجب محبة من الناس معروفا ومجهولا اقصد ( وإفشاؤك ) أي : نشرك وإذاعتك التسليم ، مصدر سلم تسليما وسلاما ( يوجب ) أي يلزم ويحقق ( محبة ) والموجبة الكبيرة من الحسنات أو السيئات التي توجب الجنة أو النار .
والمحبة أصلها الصفاء ; لأن
العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان . وقيل : مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد ، فهي غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب . وقيل : مشتقة من اللزوم والثبات ، يقال أحب البعير إذا برك فلم يقم ، كقول الشاعر :
خلت عليه بالفلاة ضربا
ضرب بعير السوء إذ أحبا
فكأن المحب قد لزم قلبه محبوبه فلم يرم عنه انتقالا . وقيل مأخوذة من القلق والاضطراب ، ومنه سمي القرط حبا لقلقه في الأذن واضطرابه . قال الشاعر :
[ ص: 293 ] تبيت الحبة التنضاض منه مكان الحب يستمع السرارا
أراد بالحب القرط . وقيل مأخوذة من الحب جمع حبة وهو لباب الشيء وخالصه وأصله ، فإن الحب أصل النبات والشجر . وقيل مأخوذة من الحب ، وهو الإناء الواسع المعروف يوضع فيه الشيء فيمتلئ بحيث لا يسع غيره ، وكذالك قلب المحب لا يسع غير محبوبه . وقيل من الحب ، وهو الخشبات الأربع التي يستقر عليها ما يوضع عليها من جرة وغيرها فسمي الحب بذلك ; لأن المحب يتحمل لأجل محبوبه الأثقال كما تتحمل الخشبات ثقل ما يوضع عليها . وقيل مأخوذة من حبة القلب وهي سويداؤه ، ويقال ثمرته ، سميت بذلك لوصولها إلى حبة القلب ، وفيها لغتان : حب وأحب .
واختلفوا في حد المحبة على أقوال كثيرة ، فقيل هي الميل الدائم ، بالقلب الهائم .
وقيل إيثار المحبوب ، على كل مصحوب .
وقيل موافقة الحبيب في المشهد والمغيب .
وقيل إقامة الخدمة ، مع القيام بالحرمة ، إلى غير ذلك من الأقوال .
وقد قدمنا أن شأن المحبة عظيم ومدار حركات العالم العلوي والسفلي عليها .
وقد نبه
الناظم رحمه الله تعالى أن السلام من موجباتها .
وتقدم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39755والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم } .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34325ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين } وقال الشاعر :
قد يمكث الناس دهرا ليس بينهمو ود فيزرعه التسليم واللطف
وقول
الناظم ( من الناس ) متعلق ب { يوجب محبة } يعني يوقعها ويغرسها في قلوبهم للخبر .
وقوله رحمه الله ( معروفا ) مفعول مقدم ( ومجهولا ) معطوف عليه وقوله ( اقصد ) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر للقافية ، أي اقصد بسلامك كل إنسان سواء كان معروفا لك أو مجهولا عندك لا تعرفه .
وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39986وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف } .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه : إن من التواضع أن تسلم على من لقيت .
[ ص: 294 ] قال في الآداب الكبرى : ولعل
المراد من السلام على من عرف ومن لم يعرف أنه يكثر منه ويفشيه ويشيعه ، لا أنه يسلم على كل من رآه ، فإن هذا في السوق ونحوه يستهجن عادة وعرفا .
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بمثل هذه المحافظة والمواظبة عليه لشاع وتواتر ونقله الجم الغفير خلفا من سلف . انتهى .
كذا قال .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما يغدو إلى السوق فلا يمر بأحد إلا سلم عليه ، فقال له
الطفيل بن أبي كعب ما تصنع في السوق ، وأنت لا تقف على البيع ، ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق ؟ فقال يا
أبا بطن - وكان
الطفيل ذا بطن - إنما نغدوا من أجل السلام نسلم على من لقينا . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ .
لكن مراد
الشيخ رضي الله عنه أن السلام على كل فرد من مجامع الناس كالأسواق والمواسم والحجيج ونحوها مستهجن عرفا وعادة وهو كذلك .
ثم رأيت
الحافظ ابن حجر ذكر في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
الماوردي من الشافعية أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض ; لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ، ولخرج به عن العرف .
قال
الحافظ : ولا يعكر على هذا ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد وذكر خبر
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : لأن مراد
الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر ، والأثر المذكور ظاهر بأنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام انتهى . والله الموفق .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=35502من أشراط الساعة السلام للمعرفة } ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .