ثم ذكر
الناظم رحمه الله تعالى الاستئذان وأحكامه فقال :
[ ص: 307 ] مطلب في
استئذان مريد الدخول على غيره وسنة استئذانه لدخوله على غيره من أقربين وبعد ( وسنة ) بالتنوين وتقدم أنها لغة : الطريقة والعادة والسيرة ، حميدة كانت أو ذميمة ، والجمع سنن ، مثل غرفة وغرف . وفي الاصطلاح ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير كما قدمنا .
والمراد هنا ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه ( استئذانه ) أي استئذان مريد الدخول ، وهو بالنقل للوزن أي طلب الإذن ( لدخوله على غيره ) فإن أذن له دخل ، وإلا رجع ، وسواء كان أرباب المنزل المطلوب الدخول عليهم ( من أقربين ) للمستأذن يعني أقاربا له ، ولو محارم أ ( و ) كانوا من ( بعد ) بضم الموحدة وفتح العين المهملة مشددة جمع بعيد ضد القريب ، والمراد بعيد من القرابة يعني أجنبيا ، وذلك لقوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } .
قال الإمام الحافظ
ابن الجوزي : لا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان لهذه الآية ، يعني يجب الاستئذان إذا أراد الدخول إلى بيت غيره .
ومعنى تستأنسوا : تستأذنوا ، وقطع بوجوب الاستئذان
ابن موسى والسامري وابن تميم على البعيد والقريب .
قال في الآداب الكبرى : ولا وجه لحكاية الخلاف فيجب في الجملة على غير زوجة وأمة .
وقد روى
سعيد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن
عاصم الأحول عن
nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : إذا دخل أحدكم على والدته فليستأذن . ثم روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم نحو ذلك .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار {
nindex.php?page=hadith&LINKID=5129أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أستأذن على أمي ؟ قال نعم } . فأمر أن يستأذن عليها وهو مرسل جيد . قاله
ابن مفلح وهو في الموطأ .
وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما وقيل له : كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ، ولا يعمل بها أحد {
ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } إلى {
عليم حكيم } قال إن الله حكيم رحيم بالمؤمنين يحب الستر ، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال ، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل
[ ص: 308 ] والرجل على أهله فأمرهم الله - تعالى - بالاستئذان في تلك العورات ، فجاءهم الله بالستور والخير ، فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد .
الحجال جمع حجلة بالتحريك بيت كالقبة يستر الثياب ، وله أزرار كبار .
قال الحافظ
ابن الجوزي : أكثر المفسرين على أن هذه الآية محكمة ، وأنه أصح من قول من قال هي منسوخة بقوله {
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } ; لأن البالغ يستأذن في كل وقت ، والطفل والمملوك يستأذن في العورات الثلاث .
وقال الإمام العلامة
الشيخ مرعي في كتابه قلائد المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن : قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا قالوا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير تستأنسوا خطأ ، وليس كذلك لقول
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26881قلنا : يا رسول الله ما الاستئناس ؟ قال يتكلم الرجل بالتسبيحة والتكبيرة والتحميدة أو يتنحنح } ، فمنهم من قال : هذه الآية والتي بعدها محكمتان ، ومنهم من جعل الحكم عاما في سائر البيوت ثم نسخت منها البيوت التي لا ساكن لها بقوله تعالى {
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم } أي منفعة لكم الآية ، والمراد بها الخانات ، وما بني للسابلة ، أو جميع البيوت التي ليس لها ساكن ; لأن الاستئذان إنما ورد لئلا يطلع على العورات ، فإذا أمن ذلك جاز الدخول بغير إذن .
وقال في قوله تعالى {
يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم } الآية منسوخة بقوله ( {
وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } ثم ذكر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المتقدم ، ثم قال : بعضهم رأى أنها محكمة .
قالوا : سئل
الشعبي عن هذه الآية أمنسوخة هي ؟ قال : لا والله ، فقيل له : إن الناس لا يعملون بها فقال : المستعان بالله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير : إن ناسا يقولون : نسخت هذه الآية لا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون بها الناس انتهى .
وأما الإمام الحافظ
ابن الجوزي فلم يذكر الآية في المنسوخ ألبتة في كتابه المصفى بإلف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ . نعم قال في قوله تعالى {
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم } الآية قال بعض ناقلي التفسير نسخ من هذا النهي العام حكم البيوت التي ليس لها
[ ص: 309 ] أهل يستأذنون بقوله {
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة } . قال : وهذا تخصيص لا نسخ ، والله أعلم .
( تنبيه ) : ظاهر النظم أن الاستئذان سنة يثاب على فعله ، ولا يعاقب على تركه كما هو شأن كل مسنون . والمعتمد أنه واجب يثاب على فعله ويعاقب على تركه إلا أن يشاء الله كما هو شأن الواجبات .
جزم به في الإقناع والغاية وغيرهما . والذي ذكره
الناظم قدمه في الرعاية وعبارته : ويسن أن يستأذن في الدخول على غيره ثلاثا فقط .
قال
الحجازي : قد لا يكون في كلام صاحب الرعاية حجة أعني في كون الاستئذان نفسه سنة ، ويحتمل قوله يسن أن يستأذن في الدخول على غيره ثلاثا فقط أن المراد صفة الاستئذان ، ألا تراه قال بعده فقط أي لا يزيد المستأذن على الثلاث إذا لم يجب لئلا يكون مخالفا للسنة . ويحتمل كلام
الناظم أيضا هذا المعنى .
ألا ترى أنه أعقبه بقوله : ثلاثا ومكروه دخول لهاجم
ولا سيما من سفرة وتبعد .