مطلب : في كراهة
مناجاة الاثنين دون الثالث حال الرفقة .
( و ) يكره كراهة تنزيه إذا كان هناك جمع ( أن يتناجى ) من المناجاة وهي المسارة ، يقال ناجاه مناجاة ساره وانتجاه خصه بمناجاته كما في القاموس وقال في النهاية : المناجي هو المخاطب للإنسان والمحدث له يقال ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناج ، والنجي فعيل منه ، وقد تناجينا مناجاة وانتجاء ، ومنه حديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31281لا يتناجى اثنان دون الثالث } وفي رواية {
لا يتناجى اثنان دون صاحبهما } أي لا يتساران منفردين عنه ، لأن ذلك يسوءه .
( الجمع ) فاعل يتناجى والمراد به اثنان فأكثر ( ما ) زائدة ( دون ) إنسان واحد ( مفرد ) لما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10533إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه } وفي رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=523أجل إن ذلك يحزنه } بإسقاط من ، وهي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح . وفي الأدب المفرد له بإسناد الصحيح بزيادة من . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : نطقوا بها اللفظ بإسقاط من ذكر له شاهدا ويجوز كسر همزة أن والمشهور فتحها . انتهى .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي إنما يحزنه لأجل معنيين أحدهما أنه ربما يتوهم أن نجواهما لتبييت رأي أو تدسيس غائلة له ، والثاني من أجل الاختصاص بالكرامة وهو يحزن صاحبه .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
لا يحل لثلاثة يكونون بأرض فلاة يتناجى اثنان دون الثالث } .
قال في الآداب الكبرى : والنهي عام وفاقا للمالكية والشافعية . وخصه بعض العلماء بالسفر . وزعم بعضهم أنه منسوخ وأنه كان في أول الإسلام والله أعلم
[ ص: 341 ]
( تنبيهات ) :
( الأول ) : ظاهر هذا الحديث الحرمة لا الكراهة ، فإنه متى انتفى الحل خلفه الحظر ، وجزم به
النووي ، ومن ثم قال بعضهم نسخه . والمعتمد فقها يكره ذلك تنزيها والله أعلم .
( الثاني ) : مفهوم كلام
الناظم لو
كانوا أربعة فتناجى ثلاثة دون الرابع أن ذلك مكروه . قال في الرعاية : ويكره أن يتناجى اثنان دون ثالثهما . وفي المجرد : ولا يتناجى اثنان دون واحد . قال في الآداب : ومرادهم جماعة دون واحد اقتصر عليه . وقال
الحجاوي : ولا يكره إلا إذا كانوا ثلاثة لا أربعة فأكثر . فقول
الناظم الجمع يحمل على الاثنين لأنه أقل الجمع على قول .
ولا يستقيم أن يكون مراده بالجمع الثلاثة لأنه يفضي إلى الكراهة إذا كانوا أربعة واستدل لذلك بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10510إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث } أخرجاه وزاد
أبو صالح قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر فأربعة ؟ قال لا يضرك رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ عن
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار وقال كنت أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر عند دار
خالد بن عقبة التي في السوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أحد غيري ، فدعا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة ، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا استأخرا شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
لا يتناجى اثنان دون واحد فإن كانوا أربعة فيتناجى اثنان } لم يكره لقصة
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وأما أن
يتناجى من الأربعة ثلاثة دون واحد فالأظهر الكراهة .
وأنت خبير بأن في كلام
الحجاوي رحمه الله مسامحة في حمل كلام
الناظم على ما حمله ، وهل أحد قال : إن الجمع اثنان فقط ، وإنما قالوا أقل الجمع اثنان على مذهب وهو مرجوح ، وقليل بالنسبة إلى ما قابله من أن أقل الجمع ثلاثة ، والقرآن مملوء بذلك .
وأما كون أقل الجمع اثنين إنما ورد في حجب الأم من الثلث إلى السدس . وهذا الجمع قليل جدا في كلام
العرب ، لكن ما أحد قال إن الجمع لا يطلق على الثلاثة فأكثر . وصاحب الآداب الكبرى قال مرادهم جماعة دون واحد ، واستشهد بكلام
الناظم ولم يذكر خلافه .
وأما استدلال
الحجاوي بقصه
ابن دينار مع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ومناداته
[ ص: 342 ] للرجل الرابع فلا دليل له بذلك ، فإن ظاهر كلام
الناظم مشعر بذلك حيث قيد انفراد الذي لم يدخل معهما أو معهم في المناجاة ، فإن مفهومه متى كان معه واحد فأكثر لم يكره اختصاص بعض الجمع بالمناجاة ، وهذا ظاهر لا غبار عليه وهو المذهب بلا ريب ، وإنما المكروه انفراد الجمع بالمناجاة دون واحد منفرد ليس معه من يناجيه ولا يستأنس به .
ولا سيما إذا كانوا في سفر أو موضع مخيف والعلة التي ذكروها في الاثنين دون الثالث موجودة في الثلاث فأكثر دون واحد فالأظهر والله أعلم إبقاء كلام
الناظم على عمومه .
وأما لفظ الحديث فهذا مفهوم عدد وقد اختلف فيه علماء الأصول هل يكون مفهومه حجة أو لا الأكثر على أنه لا مفهوم للعدد . وأيضا مراد النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم أن الثلاثة أقل ما يمكن انفراد اثنين دون واحد هذا ما ظهر لي الآن والله ولي الإحسان . ثم رأيت
الحافظ ابن حجر في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري صرح بما قلنا .
قال وقد نقل
nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال عن
أشهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قال : لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة لأنه قد نهى أن يترك واحد . قال وهذا مستنبط من حديث الباب يعني حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي ذكرناه . قال لأن المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد .
وقال
المازري ومن تبعه : لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد ، زاد
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد فليكن المنع أولى . قال وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى . فهما وجدا المعنى فيه ألحق به في الحكم . انتهى .
( الثالث ) : محل الكراهة ما لم يأذن الواحد المنفرد للجمع في المناجاة ، فإن أذن فلا كراهة لأن الحق له . قاله في الآداب عن بعضهم . وذكر النهي عن الإصغاء إلى من يتحدث سرا بدون إذنه . قال وإن كان إذنه استحياء فذكر
صاحب النظم يكره . وقد ذكر
ابن الجوزي أن من أعطى مالا حياء لم يجز الأخذ . قال في الرعاية وهو معنى ما في الفصول . انتهى .
ويتجه مثله هنا أن لو أذن لهم في المناجاة حياء منهم بأن استأذنوه فأذن لهم على جهة الحياء كره انفرادهم عنه ، ولا يكون هذا الإذن منافيا والله تعالى أعلم .