ثم خص الناظم الوالدين بحسن الخلق لهما والصحبة معهما فقال ( ولا سيما ) فإن كلمة لا سيما تدخل ما بعدها فيما قبلها بطريق أولى . فقولهم تستحب
الصدقة في شهر رمضان ولا سيما في العشر الأواخر ، معناه واستحبابها في العشر الأواخر آكد وأفضل ، فهو مفضل على ما قبله . وقال
الإمام العلامة ابن هشام في مغني اللبيب : ودخول الواو على لا واجب . قال
ثعلب : من استعلمه على خلاف ما جاء في قول
امرئ القيس " ولا سيما يوم بدارة جلجل
" فهو مخطئ . انتهى كلام
ثعلب . قال
ابن هشام : وذكر غيره أنه قد يخفف وتحذف الواو ، كقول الشاعر :
وبالعهود وبالأيمان لا سيما عقد وفاء به من أعظم القرب
وفي القاموس : ولا سيما زيد مثل لا مثل زيد وما لغو ويرفع زيد مثل دع ما زيد وتخفف الياء . انتهى قال
ابن هشام : ويجوز في الاسم الذي بعدها الجر والرفع مطلقا والنصب أيضا إذا كان نكرة . وقد روى بهن ولا سيما يوم فالجر أرجحها وهو على الإضافة وما زائدة بينهما مثلها في أيما الأجلين ، والرفع على أنه خبر لمضمونه محذوف وما موصولة أو نكرة موصوفة بالجملة ، والتقدير ولا مثل الذي هو يوم أو ولا مثل شيء هو يوم
[ ص: 372 ] ويضعفه في نحو ولا سيما زيد حذف العائد المرفوع مع عدم الطول وإطلاق ما على من يعقل . وعلى الوجهين ففتحة شيء إعراب لأنه مضاف والنصب على التمييز كما يقع التمييز بعد مثل نحو {
ولو جئنا بمثله مددا } وما كافة عن الإضافة ، والفتحة فتحة بناء مثلها في لا رجل . وأما انتصاب المعرفة نحو ولا سيما زيدا فمنعه الجمهور . وقال
ابن الدهان : لا أعرف له وجها .
ووجهه بعضهم بأن ما : كافة ولا سيما نزلت منزلة إلا في الاستثناء . ورد بأن المستثنى مخرج وما بعده داخل من باب أولى . وأجيب بأنه مخرج مما أفهمه الكلام السابق من مساواته لما قبلها . وعلى هذا فيكون استثناء منقطعا . انتهى .
وفي لغة الإقناع قال
ابن يعيش : ولا يستثنى بسيما إلا ومعها جحد .
وقال
ثعلب : من قاله بغير اللفظ الذي جاء به
امرؤ القيس فقد أخطأ . ووجه ذلك أن لا سيما تساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها فيكون كالمخرج عن مساواته إلى التفضيل وقال
ابن الحاجب : لا يستثنى بها إلا ما يراد تعظيمه وبعضهم يستثني بسيما . انتهى .
قلت وقد ولع به جماعة من المتأخرين فتحصل أن الأرجح أن يقال ولا سيما بالواو ولا وتشديد الياء كما في كلام
امرئ القيس والناظم هنا ، ويقال لا سيما من غير واو بالتشديد وعدمه ، ويقال سيما من غير واو ولا لا .
والظاهر أن عدم التشديد يجيء في الثلاث حالات وأنه ضرورة والله سبحانه وتعالى أعلم .