مطلب :
النصيحة لله فرض ونافلة
قال الإمام
الحافظ ابن رجب : وقد حكى
أبو عبد الله محمد بن نصر المروذي في كتاب تعظيم قدر الصلاة عن بعض أهل العلم أنه فسر حديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14202الدين النصيحة } بما لا مزيد عليه . وحاصله أن النصيحة عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان ، وهي على وجهين : أحدهما فرض وهي لله شدة العناية من
[ ص: 46 ] الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض ومجانبة ما حرم ، والثاني نفل وهي إيثار محبته على محبة نفسه ، وذلك أن يعرض أمران أحدهما لنفسه والآخر لربه فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه ، فهذه جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه والنافلة .
وإيضاح ذلك أن الفرض من النصيحة مجانبة نهيه وإقامة فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقا له ، فإن عجز عن الإقامة لفرضه لآفة حلت به من مرض أو حبس أو غير ذلك عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت العلة المانعة له قال تعالى {
ليس على الضعفاء ولا على المرضى } - إلى قوله - {
إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل } فسماهم محسنين لنصحهم لله بقلوبهم لما منعوا من الجهاد بأنفسهم وقد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات ولا ترفع عنه النصيحة لله .
فلو كان مريضا لا يمكنه عمل شيء من جوارحه من لسان ولا غيره غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه ، وهو أن يندم على ذنوبه وأن ينوي إذا صح أن يقوم بما افترض الله عليه ويجتنب ما نهاه عنه وإلا كان غير ناصح لله بقلبه . وكذلك النصح لرسوله فيما أوجبه على الناس عن أمر ربه .
قال الإمام
الحافظ ابن رجب : ومن النصح الواجب أن لا يرضى بمعصية العاصي ويحب طاعة من أطاع الله ورسوله . قلت : ولو كان هو العاصي يجب عليه كراهية المعصية . وهذا معنى قول بعضهم ( يجب على من بيده الكأس أن ينكر على الجلاس ) إلى أن قال : وأما النصيحة للمسلمين فبأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ويشفق عليهم ، ويرحم صغيرهم ، ويوقر كبيرهم ، ويحزن لحزنهم ، ويفرح لفرحهم ، وإن ضره ذلك في دنياه كرخص أسعارهم ، وإن كان فيه فوات ربح ما يبيع من تجارة ، وكذلك جميع ما يضرهم عامة ، ويجب صلاحهم وألفتهم ودوام النعم عليهم ، ونصرتهم على عدوهم . ودفع كل أذى ومكروه عنهم .
وقال
ابن الصلاح : النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا .