مطلب : في ذكر طرف من آفات اللسان
( المقام الأول ) في ذكر طرف من
آفات اللسان وهي كثيرة جدا منها الكلام فيما لا يعني ، ومعنى الذي لا يعنيه لا تتعلق عنايته به ولا يكون من مقصده ومطلوبه . والعناية شدة الاهتمام بالشيء ، يقال عناه يعنيه اهتم به وطلبه .
وقد روى
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36222من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } قال
الحافظ ابن رجب : وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس بل بحكم الشرع والإسلام ولذا جعله من حسن الإسلام ، فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال ، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات ، وكذا يندب إلى فعل المندوبات .
فالمراد بتركه ما لا يعني من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ، فإن
[ ص: 70 ] هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه وبلغ درجة الإحسان ، وهو أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه ، أو على استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه فقد أحسن إسلامه ، ولزم من ذلك أن يترك كل ما يستحيا منه .
وفي مسند الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13865الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وما حوى ، وتحفظ البطن وما وعى ، ولتذكر الموت والبلى ، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء } .
وفي المسند من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12181إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه } .
وأخرج
الخرائطي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه قال {
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله إني مطاع في قومي فما آمرهم ؟ قال له مرهم بإفشاء السلام وقلة الكلام إلا فيما يعنيهم } .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
كان في صحف إبراهيم عليه السلام وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر فيها في صنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب } .
وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم .
وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه .
ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه .
وأخرج
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=17050توفي رجل من أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يعني أبشر بالجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا تدري فلعله تكلم بما لا يعنيه ، أو بخل بما لا يغنيه وفي بعضها أن الصحابي قتل شهيدا } .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا {
أكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيه } .
[ ص: 71 ] قال
الحافظ ابن رجب دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل فسألوه عن سبب تهلل وجهه ، فقال ما من عمل أوثق عندي من خصلتين ، كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، وكان قلبي سليما للمسلمين .
وقال
الحسن : من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه .
وقال
سهل التستري : من تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق .
وقال
معروف :
كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله عز وجل .
ومر رجل
بلقمان الحكيم والناس عنده ، فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى ، قال الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا ؟ قال بلى ، قال فما بلغ بك ما أرى ؟ قال صدق الحديث ، وطول السكوت عما لا يعنيني .
ومنها كثرة الكلام ، وقد ذكرنا أن من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه .
وقد قال
النخعي : يهلك الناس في فضول الكلام والمال . وفي
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30562لا تكثر الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب ، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي } .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به . وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا بإسناد ضعيف .
وكان سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضوان الله عليه يأخذ بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد .
فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن أبيه أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه دخل على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : مه غفر الله لك ، فقال
أبو بكر : هذا أوردني الموارد .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي : هذا أوردني شر الموارد . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33838ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته } . وذرب اللسان بفتح الذال المعجمة والراء جميعا هو حدته وشره وفحشه .
وقال
ابن بريدة : رأيت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أخذ بلسانه وهو يقول ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن شر تسلم ، وإلا فاعلم أنك
[ ص: 72 ] ستندم . قال فقيل له : يا
أبا عباس لم تقول هذا ؟ قال إنه بلغني أن الإنسان - أراه قال - ليس على شيء من جسده أشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على لسانه إلا قال به خيرا أو أملى به خيرا .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان .
وقال
الحسن : اللسان أمير البدن إذا جنى على الأعضاء شيئا جنت ، وإذا عف عفت .
وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن قول
لقمان لابنه : إن كان الكلام من فضة فإن الصمت من ذهب ، فقال لو كان الكلام بطاعة الله من فضة فإن الصمت عن معصية الله من ذهب .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وأبو يعلى ورواته ثقات عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32895لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر فقال يا nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما ؟ قال بلى يا رسول الله ، قال عليك بحسن الخلق ، وطول الصمت ، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلها } .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا وأبو يعلى عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36533من سره أن يسلم فليلزم الصمت } .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وأبو داود وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11333إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال : وإضاعة المال ، وكثرة السؤال } .
وقال بعض
السلف : لو كنتم تشترون الكاغد للحفظة لمسكتم عن كثير من الكلام .
وقيل لبعضهم : لم لزمت السكوت ؟ قال : إني لم أندم على السكوت قط ، وقد ندمت على الكلام مرارا .
وفيما قيل : جرح اللسان كجرح اليد . وقيل : اللسان كلب عقور ، إن خلي عنه عقر .
[ ص: 73 ] وروي عن سيدنا الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه أنشد بلسانه :
يموت الفتى من عثرة من لسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل فعثرته من فيه ترمي برأسه
وعثرته بالرجل تبرى على مهل
ومما قيل :
قد أفلح الساكت الصموت كلامه قد يعد قوت
ما كل نطق له جواب جواب ما تكره السكوت
وأعجب الأمر من ظلوم مستيقن أنه يموت
وأنشد بعضهم :
عجبت لإدلال الغبي بنفسه وصمت الذي قد كان بالعلم أعلما
وفي الصمت ستر للغبي وإنما صحيفة لب المرء أن يتكلما
قال الإمام
ابن مفلح في الآداب الكبرى : كان الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك يعيب كثرة الكلام ويقول : لا يوجد إلا في النساء والضعفاء .
وفي خبر مأثور : الخير كله في ثلاث : السكوت والكلام والنظر ، فطوبى لمن كان سكوته فكرة ، وكلامه حكمة ، ونظره عبرة ، والله أعلم .
ومنها الكذب ، وهو من الآفات العظام والذنوب الجسام ، والبذاذة ، وشهادة الزور ، وقول الفجور ، وسيأتي الكلام عليها في محالها إن شاء الله تعالى .
ومنها القذف ، وتقدم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في الموبقات عند الشيخين وغيرهما .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بإسناد جيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=61002من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه } .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37052من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال } .